مات محامٍ تحت التعذيب فى قسم شرطة، فما كان من وزارة الداخلية إلا أن دافعت عن نفسها بأساليب بالية منتهية الصلاحية، تُدينها ولا تبرّئ ساحتها. اللواء هانى عبد اللطيف، المتحدث باسم وزارة الداخلية، قال إن المحامى كرم حمدى، 28 سنة، وشخصًا آخر يُدعى عبد الغنى جزار، ينتميان إلى جماعة الإخوان المسلمين، وإنه ضُبِط بحوزتهما بندقية آلية وفرد خرطوش، وأمام مأمور قسم المطرية اعترفا بتكوين خلية إرهابية تبثّ الرعب والبلطجة فى المطرية. وأضاف المتحدث باسم الداخلية ، فى تصريحات صحفية، أن الداخلية تواجه معركة ضد الجماعة الإرهابية وبعد الانتهاء من المعركة ستتم محاسبة كل مَن أخطأ من رجال الشرطة. هكذا، إذن، المحاسبة بعد انتهاء المعركة . الخبر الجيّد هو قرار نيابة شرق القاهرة الكلية بحبس ضابطَين فى الأمن الوطنى على ذمة التحقيقات فى القضية، الأمر الذى هدّأ من غضب المحامين لشعورهم بأن النيابة تسير فى الطريق الصحيح وتتخذ إجراءات جادة. أن تحبس النيابة ضابطَين فى الأمن الوطنى على ذمة التحقيقات فى القضية فإن هذا يشعرنا بالجدية فى التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للقصاص القانونى العادل. الثابت أن وفاة المحامى كريم حمدى داخل قسم شرطة المطرية حصلت بشكل مريب، وفى ظل اتهامات مدعومة بالقرائن والأدلة على أن وفاته نجمت عن التعذيب. إن مثل هذه الجرائم هى إهدار لكل القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، التى قامت من أجلها ثورة الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، والتى نصّ عليها دستور 2014. الوفاة حدثت يوم الثلاثاء 24 فبراير 2015 داخل القسم، حيث كان المذكور قد أُلقى القبض عليه مع آخرين من منزله بتهمة حيازة سلاح وطلقات خرطوش. ومن الضرورة بمكان التنويه بأن هذه الحالة لم تكن الحالة الأولى داخل هذا القسم، فقد سبقتها وفاة عزت عبد الفتاح سليمان الغرباوى، 46 عامًا، موظف فى وزارة المالية، خلال شهر يونيو 2014. إن جرائم التعذيب داخل أقسام الشرطة خلال الآونة الأخيرة تثير القلق، وتدفع إلى الواجهة مجددًا مطالب منظمات حقوقية وقانونيين بتعديل التشريعات الخاصة بجريمة التعذيب، والتى تشمل قانونَى العقوبات والإجراءات الجنائية، بما يتوافق مع دستور 2014 واتفاقية مناهضة التعذيب، بل إنه يتعيَّن تعديل مواد قانون العقوبات المصرى فى المادتَين 126 و129، حتى تتطابق مع مواد اتفاقية مناهضة التعذيب، التى وقّعتها مصر وأصبحت قانونًا داخليًّا. لا مفرّ من أن يشرع النائب العام ووزارة الداخلية بالتحقيق العاجل فى واقعة وفاة كريم حمدى داخل قسم شرطة المطرية، مع العمل بسرعة وحزم على حظر الانتهاكات الموجّهة إلى الأفراد داخل أقسام الشرطة وفى أماكن الاحتجاز، وتحويل كل المسؤولين عن حوادث التعذيب إلى المحاكمة العادلة، وتطبيق أحكام القانون والدستور ذات الصلة عليهم. إن استمرار تلك الظاهرة غير الإنسانية يمثّل مخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتى تشدّد فى عديد من موادها على حظر التعذيب وتجريم ومحاسبة مرتكبيه، فحسب المادة الثانية من اتفاقية مناهضة التعذيب لا يجوز التذرُّع بأى ظروف استثنائية أيًّا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدًا بالحرب أو عدم استقرار سياسى داخلى أو أى حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب ، وحسب المادة الخامسة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة . نشدّد هنا على أن التعذيب يعدّ إحدى الجرائم التى يجب القضاء عليها بشكل كامل، لكونه ينتهك أبسط حقوق الإنسان الأساسية، ألا وهو حقّه فى الحياة والحرية والأمان الشخصى، لا سيما أن دستور 2014 نصّ فى المادة 55 على تجريم التعذيب وإساءة المعاملة ، كما أن المادة 56 تحظر فى أماكن الاحتجاز والسجون كل ما يتنافى مع كرامة الإنسان ، وتقرر المادة 52 أن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم ، لذا وجب على النائب العام ووزير الداخلية التحقيق فى مثل هذه الجرائم وإحالة مرتكبيها إلى المحاكمة. التجاوزات الأمنية مستمرة، واتسع نطاقها خلال الفترة الأخيرة فى ظل تجاوزات شديدة لبعض الضباط، دون محاسبة حازمة أو مساءلة صارمة تضمن حفظ ميزان العدالة. وإذا كان قسم شرطة المطرية عاد ليتصدَّر المشهد من باب التعذيب حتى الموت فإن الأمر يستدعى وقفة جادة ومتأنية، وتحركات عاجلة وحازمة لوقف كل هذا العبث. الإحصاءات تشير إلى أن قسم شرطة المطرية تحديدًا شهد خلال عام 2014 وفاة 8 حالات داخل حجز القسم، لتعرضهم للإصابة بحالات مرضية مزمنة أو هبوط حاد فى الدورة الدموية، وثبت تعذيب أحدهم على يد أحد رجال القسم، وبرزت عودة تلك الممارسات إلى وفاة 3 مواطنين داخل حجز القسم، ولم يتم التأكد من كونهم تعرَّضوا لأى مضايقات داخل الحجز من عدمه. وخلال 72 ساعة فقط (فى فبراير 2015) شهد قسم شرطة المطرية 3 حالات وفاة لمحبوسين داخل حجز القسم، وهو الأمر الذى أثار الريبة مجددًا لطبيعة القسم وحجزه ومدى ملاءمته للمواصفات التى تليق بحقوق الإنسان للمحبوس داخل أقسام الشرطة فى مصر. دعونا نواجه أنفسنا فى المرآة، حتى نصحِّح المسار، قبل فوات الأوان.