الحكومة تسميها بحيرة ناصر، بينما النوبيون يسمونها بحيرة النوبة.. بقى الاسم الذى أطلقته الحكومة على البحيرة بين ورقها الأصفر، يدور بين أضابيرها الميتة. وبقى الاسم الذى أطلقه النوبيون على البحيرة يدور بين شفاههم السمراء الحية، يرددونه بينهم ويؤكدونه مع أطفالهم. بلاد النوبة كلها اليوم لم تعد موجودة على الخريطة بهذا الاسم، صار اسمها: محافظة أسوان. المتحف الذى تبرعت به منظمة اليونسكو لحفظ آثار النوبة، أرادت الحكومة أن تسميه متحف أسوان. لكن منظمة اليونسكو والنوبيين رفضا، وأصرا على تسميته: متحف النوبة. يحكى المخرج السينمائى النوبى أحمد عواض، كيف أجبرت اليونسكو الحكومة المصرية، على أن تدعو الفنان النوبى حمزة علاء الدين، لتقديم حفل الافتتاح. وكيف اضطر فاروق حسنى وزير الثقافة المصرى حينها، إلى أن يخاطب حمزة علاء الدين فى أستراليا، حيث يعيش، لكى يحضر لإحياء الحفل. أما حمزة فقد أصر على أن ترسل له وزارة الثقافة تذكرتى طائرة، واحدة للعود والثانية له. حمزة قال: العودة لازم يقعد جنبى فى الطيارة.. أحمد عواض يضيف بفخر، كيف قام حمزة بتقديم نفسه على مسرح الافتتاح باللغة النوبية، بعدها قدم نفسه بالإنجليزية وأخيرًا تحدث بالعربية. أكره تغيير الأسماء التاريخية، التى تحمل الكثير من الأبعاد الثقافية. يقول النوبيون إن السادات كان يريد أن يُغير تسمية البحيرة، من بحيرة ناصر إلى بحيرة النوبة. كما يتحدثون عن الوعد الذى وعدهم به السادات، بإعادتهم من مهاجرهم إلى ضفافها. بينما صديقى الناصرى يشرح، كيف كان السادات يهدف إلى مسح كل ما له علاقة بجمال عبد الناصر. ويؤكد وجهة نظره، بإقدام السادات على تغيير اسم استاد ناصر وتحويل اسمه إلى استاد القاهرة. أما النوبيون فيحكون، كيف قال لهم حسب الله الكفراوى، وزير التعمير فى عهد السادات، أبوكم مات.. كان يقصد السادات.. حدث هذا لما ذهبوا إليه يطالبونه بتنفيذ وعد السادات بإعادتهم إلى بلادهم. وكان السادات حينها قد قتل فى حادثة المنصة الشهيرة، على يد جهاديين إسلاميين، كانوا غاضبين بسبب اتفاقيات كامب ديفيد. تسببت كامب ديفيد فى تأخير الحلم النوبى الذى لم يتحقق حتى اليوم. العودة إلى ضفاف النوبة هى حلم النوبى. الخروج من النوبة عند النوبى مثل خروج آدم من الجنة. وكما أن ابن آدم عليه أن يتحاشى العمل السيئ، وأن يعمل صالحًا طوال عمره لضمان العودة إلى الجنة، فالنوبيون يعتقدون أن عليهم أن يعملوا طوال عمرهم بلا كلل من أجل العودة إلى جنتهم المفقودة: بلاد النوبة.. يقول حجاج أدول، الروائى النوبى الكبير، لم يخرج من بين صفوف رجال النوبة إرهابى واحد.. ويضيف: النوبيون مغرمون بالحياة. من مظاهر غرامهم بالحياة، غرامهم بالرقص والموسيقى. أكبر ميدان فى واحدة من قرى التهجير النوبية، أطلق عليه أهل القرية اسم مغنى أفراح محلى من أبناء القرية، قُتل فى حادثة سيارة. أما محمد منير، المغنى المشهور، فهو أيقونتهم السمراء. فهم يكادون يحتفظون بصورته فى محافظهم مع النقود ومع صور حبيباتهم. صوره فى كل البيوت تقريبًا، واسمه على كل الجدران. منير فخرهم القومى الجماعى. فى يناير من هذا العام 2014 كنت فى بلاد النوبة بصحبة الأديب حجاج أدول. سألونا: هل تريدون زيارة السد العالى؟ قلت: أريد أن أرى الماء! وأضفت ضاحكًا: أنا قادم من صحراء، الماء هو محور الصراع فيها. تتصارع قبائل إلى حد الفناء من أجل بئر ماء. حجاج فهم مُرادى، وطلب من أقربائه النوبيين أن يعملوا لنا رحلة فى بحيرة النوبة. كما طلب منهم أن نزور واحدة من القرى النوبية القليلة التى لم يتمكن السد من إجبار أهلها على الرحيل.