يحتل اليمن موقعًا جغرافيًا متميزًا يمثل حجر الزاوية بالنسبة لشبه الجزيرة العربية، حيث يطل على البحر الأحمر من خلال الشاطئ الغربي لليمن الذي يشمل مضيق باب المندب، والمحيط الهندي جنوبًا. وبرغم اتساع مساحة اليمن الجغرافية وحدودها إلا أنه لا توجد دول مجاورة تشترك معها في الحدود البرية، سوى سلطنة عمان من الجهة الشرقية والمملكة العربية السعودية من جهة الشمال. وبطبيعة الحال تؤثر الأحوال الاجتماعية والسياسية داخل أي دولة على دول الجوار وعلاقات بعضها البعض. وقد مرّت العلاقة بين اليمن ودول الجوار بمراحل عديدة منذ فجر التاريخ، تنوعت بين الشد والجذب والصراع والتعاون لا سيما وأن جارتها واحدة من أقدم الكيانات التي عرفت شكل الدولة في تكوينها وما لها من تاريخ حافل، حيث تعتبر سلطنة عمان من إحدى القوى الإقليمية التي كانت لها السيطرة على منطقة الخليج العربي وخليج عدن وحتى منابع النيل في إفريقيا. ولعبت الأنظمة السياسية المتعاقبة في اليمن الدور الرئيسي في تحديد شكل العلاقة مع دول الجوار، سواء في عصر الوحدة أو في عصر الانقسام بين الجنوب والشمال. أولًا: العلاقات اليمنية العمانية اتسمت العلاقات بين اليمن وسلطنة عمان بالهدوء في معظم المراحل التاريخية للعلاقات بين البلدين باستثناء الخلاف الحدودي، الذى نشب بينهما وتم إنهاؤه باتفاق ترسيم الحدود في 1992 وتحولت العلاقات بعد ذلك إلى مرحلة التعاون والوفاق التي استمرت حتى تجدد الصراع الداخلي في اليمن. وبتجدد الصراع في شمال اليمن تدخل العلاقات بين اليمن وسلطنة عمان في مرحلة جديدة من الجمود نتيجة لعدم الاستقرار السياسي وانهيار السلطة المركزية، وفقد سيطرتها حتى على العاصمة ومقر الحكم في صنعاء، إضافة إلى مجموعة التخوفات العمانية جراء سيطرة الحوثيون على شمال اليمن والتي تتمثل في : - تجدد الحراك الجنوبي في اليمن والمطالبة بالانفصال عن الشمال، مما يؤدي إلى تجدد الصراع الحدودي بين اليمن الجنوبي وسلطنة عمان في حال انفصال اليمن جنوبًا وشمالًا. - عدم السيطرة على الحدود اليمنية العمانية، والتي تبلغ 280 كم نتيجة انعدام القدرات الأمنية لليمن على القيام بمهامها، مما يزيد من الأعباء على الجانب العماني لضبط ومراقبة الحدود. - عودة الحرب الأهلية في اليمن، والتي ستلقي بظلالها على الجانب العماني نتيجة تدفق اللاجئين إلى الأراضي العمانية وتكرار سيناريو مأساة اللاجئين السوريين في الأردن. - توتر العلاقات العمانية بدول الخليج العربي نتيجة التقارب المذهبي بين سلطنة عمان والحوثيين، حيث يعتنق العمانيون المذهب الأباضي ويعتنق الحوثيون المذهب الشيعي الزيدي واللذين يدينون بالولاء بطبيعة الحال لإيران صاحبة الخلاف الأكبر مع باقي دول الخليج العربي. ثانيًا: العلاقات اليمنية السعودية تتميز العلاقات اليمنية السعودية بالتوتر المستمر منذ نشأة الحدود بين البلدين، حيث خاضت المملكة العربية السعودية حروبًا عدة مع اليمن، كانت كلها في إطار النزاعات الحدودية ابتداءً بحرب 1934، والتي انتهت باتفاق الطائف لترسيم الحدود بين البلدين، وانتهاء بحرب 2009 ضد الحوثيين. ورغم كثرة المعارك بين البلدين وكونها لم تتجاوز حدود المناوشات والمنازعات على الحدود، إلا أن التطور الأخير يُعد الخطر الأكبر الذي يواجه العلاقات بين البلدين، فسيطرة الحوثيون على اليمن الشمالي ينذر بتجدد الصراع اليمني السعودي للأسباب التالية: - تجدد الصراع حول المناطق الجنوبية للملكة ( نجران – عسير – جيزان ) والمتنازع عليها دائمًا، نتيجة الامتداد القبلي للحوثيين في الجنوب السعودي والتقارب المذهبي بين سكان الجنوب السعودي وبين قبائل شمال اليمن. - احتمالية احتواء هذه المناطق على بعض حقول البترول والثروات المعدنية. - سعي الحوثيون للسيطرة على مضيق باب المندب وتكوين الهلال الشيعي الذي يُحاصر دول شبه الجزيرة العربية. - تنامي قوة الحوثيين لا سيما بعد استيلائها على مواقع ومخازن سلاح الجيش اليمني عقب الاستيلاء على صنعاء، حيث أصبحت هي القوة الأكبر في اليمن. ثالثًا: دول الجوار البحري يشترك في الحدود البحرية مع اليمن كل من إريتريا وجيبوتي، فيشتركون جيمعًا في السيطرة على مضيق باب المندب، وهو البعد الأهم في العلاقات بين هذه الدول، حيث يعتبر المضيق بوابة العبور لحركة التجارة العالمية وتعتبر مياهه إقليمية مقسمة بين الدول المطلة عليه. ولأهمية المضيق بالنسبة لهذه الدول، فإن لتطور الأوضاع داخل اليمن تأثيره المباشر على العلاقات بالدول المطله عليه، فهناك العديد من التخوفات من سيطرة الحوثيين على الشطر الأسيوي من مضيق باب المندب، خاصة على الدول المطلة على البحر الأحمر، إلا أن هذه التخوفات لا تُؤثر على علاقة الدول المشتركة في المضيق، نظرًا للأسباب الآتية: -خضوع مياه المضايق للقانون الدولي الذي يُنظم حق الملاحة في مياه المضايق. -عدم سيطرة دولة واحدة على المضيق . -وجود قوى إقليمية أخرى قد تدخل على خط الصراع إذا حدث إضرارًا بمصالحها في هذه المنطقة. وهذه الأسباب تدحض ادعاءات البعض بالأثر السلبي الذي قد ينعكس على سيطرة الحوثيين على منطقة باب المندب، حتى لو كانت مدعومة من إحدى القوى الإقليمية مثل إيران، أو حتى بوجود تقارب مذهبي بين الحوثيين ومسلمي إريتريا من الشيعة، فتأثير سيطرة الحوثيين على باب المندب لا يعدو كونه السيطرة على نافذة بحرية تضمن استمرار الدعم اللوجيستي للحوثيين.