فى الوقت الذى ينظر فيه العالم بازدراء شديد إلى القيلولة، أثبتت أحدث الدراسات العلمية أنها يمكن أن تساعد الأشخاص على تحسين مهارتهم الحركية، وتعزيز قدرتهم الإدراكية بالإضافة إلى مساهمتها فى تحسين الذاكرة. وفى دراسة علمية نشرت عام 2008 بجامعة كاليفورنيا، قارنت سارة ميدنيك، مؤلفة دراسة "أحصل على قيلولة وغير حياتك"، برفقة زملاؤها، بين فوائد شرب 200 ميللى جرام من الكافيين أى حوالى كوب من القهوة، وبين فوائد الحصول على قيلولة تتراوح مدتها من 60 إلى 90 دقيقة خلال النهار، ووجدت أن القيلولة تساعد على تحسين أداء الذاكرة بشكل عام، فى الوقت الذى لا تؤثر فيه مادة الكافيين سواء بالإيجاب أو بالسلب على مهام الذاكرة. وأشارت سارة ميدنيك فى دراستها إلى قيام مادة الكافيين بإعاقة تعزيز وجود مواد جديدة فى الذاكرة طويلة المدى، وذلك من خلال زيادتها لمستويات ناقل عصبى يسمى أستيل كولين يتواجد فى منطقة قرن أمون فى الدماغ، وهو نفس الناقل العصبى الذى تنخفض مستوياته بشكل طبيعى أثناء نوم الانسان. ودفع تأكيد الدراسات العلمية الحديثة على الفوائد الواعدة للقيلولة، مجموعة من الشركات الأجنبية إلى منح موظفيها الفرصة للحصول على قيلولة بسيطة أثناء أوقات العمل، حيث قامت شركة "HubSpot" المختصة فى صناعة البرمجيات، بتخصيص غرفة للقيلولة تحتوى على أرجوحة وإضاءة خافتة، تساعد الموظفين على الحصول على قيلولة هادئة تمنحهم القدرة على مواصلة مهام عملهم على أفضل نحو. ووفقا لأليسون إلوورثى العاملة بشركة "HubSpot"، فقد حققت تلك السياسة نجاحا كبيرا، وخاصة للأمهات الجدد اللاتى تعانين من النوم المتقطع أثناء الليل، وللموظفين الذين يعانون من اختلاف التوقيت، مؤكدة أن العاملين متحمسون للغاية لاستخدام تلك السياسة الجديدة على أفضل نحو مع عدم الإساءة فى اسنخدامها بشكل يضر الشركة. وفى الوقت الذى حققت فيه تلك السياسة نجاحا ملحوظا فى شركة "HupSpot"، لم تحقق نفس النجاح فى مجموعة من الشركات الأخرى، حيث تسببت فى تجنب الموظفين للعمل خارج الشركة بالإضافة إلى مماطلة البعض فى عدد دقائق النوم، الأمر الذى أدى إلى انخفاض معدل الانتاج بنسبة 30% فى إحدى الشركات التقنية التى تتخذ من مدينة تورنتو الكندية مقرا لها على سبيل المثال. أفضل أوقات القيلولة توصل الباحثون إلى أن الفترة ما بين الساعة الثانية والرابعة عصرا، هى أفضل وقت ممكن للحصول على القيلولة وذلك استنادا على إيقاعات الساعة البيولوجية الخاصة بنا، كما أشارت سارة ميدنيك إلى أن أفضل وقت ممكن للحصول على القيلولة التى يتمتع من خلالها الشخص بأنماط النوم المختلفة من النوم الهادئ والنوم العميق الذى يحتوى على الأحلام، هو الحصول على القيلولة بعد الاستيقاظ من النوم بست إلى ثمانى ساعات. جدير بالذكر أن هناك نوعان من النوم، يعرف النوع الأول منهما باسم حركة العين السريعة، وهو الوضع الذى يبقى فيه الجسم فى حالة سكون تام، ولكن تتحرك فيه العين بشكل واضح كل 30 ثانية تقريبا، وهو النوع الذى تنشط فيه الأحلام بشكل ملحوظ. أما النوع الثانى هو حركة العين غير السريعة، وهو النوع الذى يشكل 75% من كمية النوم التى يحصل عليها الانسان، ويحتوى ذلك النوع على 4 مراحل تبدأ من أول الخلود إلى النوم وتستمر لمدة حوالى 90 دقيقة قبل أن تبدأ مرحلة حركة العين السريعة، وفى هذا النوع يندر وجود الأحلام. لذا قبل الحصول على القيلولة، ينبغى معرفة التأثير المرجو منها حتى يتمكن الشخص من تحديد نوع النوم الذى سيحصل عليه، ففى دراسة أجريت عام 2009، قارنت سارة ميدنيك بين تأثير نوم حركة العين السريعة، وبين تأثير نوم حركة العين غير السريعة بالإضافة إلى تأثير الحصول على وقت بسيط للراحة، على قدرة الدماغ على التوصل إلى حلول إبداعية للمشاكل المختلفة. وفى صباح إحدى الأيام، طلبت ميدنيك من طلابها التوصل إلى كلمة واحدة يمكنها أن تترتبط بثلاث كلمات مختلفة وتؤدى إلى معانى مختلفة، ومن ثم قسمت طلابها إلى 3 أقسام حيث منحت القسم الأول قيلولة تعتمد على نوم حركة العين السريعة، ومنحت القسم الثانى قيلولة تعتمد على حركة العين غير السريعة، بينما منحت القسم الثالث الفرصة للحصول على وقت بسيط للراحة أثناء الاستيقاظ. وعند إعادتها لنفس الاختبار بعد الظهيرة، وجدت أن الطلاب الذين حصلوا على قيلولة حركة العين السريعة، تمكنوا من أداء الاختبار بشكل أفضل بكثير من الأخرين، لذا توصلت إلى أن ذلك النوع من القيلولة هو الأفضل لمساعدة الأشخاص على استعادة قدرتهم الذهنية لحل المشاكل المختلفة، لذا ينصح بالحصول على ذلك النوع من القيلولة فى وقت مبكر من اليوم. ولكن على الأشخاص الانتباه إلى أمر هام، فالحصول على نوم حركة العين السريعة، يعنى أنه ينبغى عليهم النوم لمدة تتراوح بين 60 إلى 90 دقيقة، حيث يعتبر هذا النوع هو أخر مرحلة من مراحل النوم. وتكمن أهمية قيلولة حركة العين غير السريعة فى استعادة الجسم لنشاطه المفقود جراء العمل أثناء اليوم، لذا يفضل الحصول على ذلك النوع من القيلولة فى وقت متأخر من اليوم، حيث وجدت دراسة علمية أجريت فى فى أستراليا أن الحصول على قيلولة لمدة 10 دفائق، تساعد الأشخاص على استعادة نشاطهم عند معانتهم من نوم متقطع أثناء الليل. وأشارت الدراسة أن الأشخاص يشعرون بمعدلات أقل من النعاس، وتتحسن وظائفهم الإدراكية لمدة 155 دقيقة بعد حصولهم على تلك القيلولة القصيرة، وكلما زاد وقت القيلولة القصيرة إلى 20 أو 30 دقيقة، كلما تحسنت الوظائف الإدراكية بشكل أفضل، واستمر تأثيرها لوقت أكبر. وطالب جون جرويجر أستاذ علم النفس فى جامعة هال البريطانية، الأشخاص الذين يحصلون على القيلولة، بعد القيام بأعمال شاقة فور استيقاظهم منها، بل طالبهم بالبدء فى الأعمال البسيطة، حيث تحتاج الدماغ ما بين ساعة إلى ساعتين لتستعيد قدراتها بشكل كامل. التكنولوجيا والقيلولة أصبح من الواضح الآن، أن الحصول على وقت محدد للقيلولة هو حق أصيل للجميع، وهو الأمر الذى تسعى التطبيقات المتواجدة على الهواتف الذكية بالإضافة إلى الأقنعة الذكية فى الإستفادة منه، فعلى سبيل المثال، يعمل قناع "NeuroOn" على تعقب موجات الدماغ وحركات العين، من أجل إيقاظ المستخدمين فى أفضل الأوقات. جدير بالذكر أن ذلك القناع طرح على موقع "Kickstarter" من أجل الحصول على التمويل الكافى للبدء فى تنفيذه، ومن المنتظر طرحه فى الأسواق العام القادم، ولكن لا يعتبر "NeuroOn" هو أول قناع ذكى للتبع أنماط النوم، حيث تواجد جهاز مشابه يسمى "Zeo" فى الولاياتالمتحدة، ويقوم ذلك الجهاز بنفس المهام فى تتبع أنماط النوم بالإضافة إلى تتبع موجات الدماغ وحركة العين.