يحاول البعض المقارنة بين متاهتنا اليوم فى الشرق الأوسط، وأوضاع أوروبا فى العصور الوسطى. فى تصوّرى أن الفارق كبير فى الحالتين. أوروبا كانت فى ظلام، بينما نحن فوق الظلام نعيش فى متاهة. سؤال أوروبا فى تلك الحقبة، كان يدور حول فكرة كيف نخرج من الظلام؟ بينما نحن حتى اليوم لم نطرح أى أسئلة، غير تلك الأسئلة التقليدية التى تبدو مزايدة على السائد، بأكثر مما هى تقديم بدائل له. أوروبا فى العصور الوسطى لم تتكلّم عن العدو البربرى القادم من بلاد الأناضول!! لم تأتِ بسيرته على لسانها، على الرغم من أنه كان زاحفًا يلوح بالسكاكين وسبى النساء وأخذ الرجال عبيدًا. أوروبا تكلّمت عن دولة العقد الاجتماعى.. فعن ماذا نحن تكلمنا ولا نزال نتكلم؟ بعد 25 يناير، قابلت مجموعة من الشباب.. واحد منهم سألنى: نريد أن نزحف إلى معبر رفح لنقوم بفتحه على إخواننا فى غزة؟ مجموعة شبابية ثانية تسألنى: نحن فى طريقنا للتظاهر عند الصخرة. كانوا يتحدثون عن صخرة الجينرال دايان، على شاطئ الشيخ زويد فى سيناء.. مجموعة ثالثة تقول: إنها ذاهبة لتدمير الصخرة من أصلها. كانوا شبابًا يبحثون عن سؤال الوطنية فى لحظة زمنية تجاوز فيها التاريخ ما هو وطنى لمصلحة ما هو مواطنى. على المقلب الآخر، جماعات دينية تلوّح بقبضاتها فى الهواء وهى تصرخ: الإسلام جاى يا عم الحاج.. وفى كل مرة كنت أقول لحالى: جميل.. هذه أسئلة الوطنية.. أسئلة ذوات غارقة فى الهزيمة وتبحث عن الثأر.. لكن أين سؤال الثورة؟.. لا سؤال للثورة، سوى الكثير من المزايدات الراديكالية على السائد. دون إدراك أن السائد، لم يترك تلك المواضيع، محور المزايدات، إلا بعد أن أدرك أن لا سبيل للتصدى لها. بمعنى أن النظام العسكرتارى فى القاهرة لم يتساوم مع إسرائيل، لأنه استيقظ من النوم فى الصباح، فوجد أن إسرائيل تحوَّلت من شجيرة صبار إلى باكو من الشيكولاتة. وإنما لأنه أدرك، بعد الكثير من التجارب والمرار، أنه لا سبيل للتصدّى لها بالقوة. والعسكر لا يعرف من كلمات التصدّى للخصم سوى كلمة واحدة: القوة. إسرائيل ليست هابطة من السماء ولا طالعة من جهنم، وثمة طرق متعددة للتصدى لها، لكن تلك الطرق ليست من طبيعة أى نظام عسكرتارى لا فى القاهرة ولا فى غير القاهرة. الناس لم تخرج من بيوتها يوم 25 يناير وما تلاه، لتفك الحصار عن إخوانّا فى غزة.. ولا من أجل إسلام لم يذهب حتى يجىء، بل إن الناس قد تكون لا تعرف بموضوع صخرة دايان من أصله، لتخرج إلى الموت بصدور مفتوحة من أجل أن تهدمها.. الناس خرجت من أجل العيش والحرية. العيش والحرية يحتاجان إلى طرح سؤال يهدف إلى إعادة توزيع السلطة والثروة.. لا الصراخ: صهيونية.. صهيونية.. كامب ديفيد.. كامب ديفيد.. صخرة دايان.. صخرة دايان.. سؤال يتصدَّى للمشروع الإسرائيلى بالنموذج، لا بالصراخ. نموذج المواطنة والديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان. فى مناخ مثل هذا من الطبيعى أن يأتى الناس بمن يتصورون أنه أكثر جذرية فى التصدى إلى تلك الأسئلة.. حسنًا، أنتم تريدون هدم صخرة دايان؟! أنتم تريدون فتح معبر غزة؟! هذا ما تمخّض عنه جبلكم؟! أوك.. اركن انت وهو على جنب.. وسنأتى بمَن يصرخون: خيبر.. خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود. المشكلة أن الماضى لا يعود ولن يعود أبدًا.. تستطيع أن تلتفت إلى الماضى لتستلهم منه العبر، لكنك أبدًا لن تعيده.. بمعنى أنك تستطيع أن تسأل: لماذا اختلف الصحابة عند وفاة الرسول؟ وكيف حسموا خلافهم؟ وما الأسباب التى جعلتهم يحسمونه بهذه الطريقة دون غيرها؟ لكنك أبدًا لن تنجح فى استنساخ سقيفة بنى ساعدة جديدة. ولا استنساخ صحابة جُدد.. وإذا حاولت، فإن محاولتك لن تتمخض إلا عن مخلوق مشوه مثل النعجة دولى.. مثل الخليفة بكرى البغدادى.. مثل داعش . تستطيع أن تلتفت نحو صخرة دايان.. ثم تسأل حالك، عن الظروف الموضوعية التى حطت هذه الصخرة فوق التل؟ وهذا يعنى أن عليك أن تخلق ظروفًا موضوعية مغايرة.. عندها قد تسقط الصخرة من نفسها. أما خبط رأسك فى الصخرة، قبل أن تتغيَّر الظروف الموضوعية التى وضعتها فوق التل، فهى الوصفة الفضلى لإنتاج داعش . وداعش اليوم تلوّح بسكاكينها عند سفح الصخرة.. بالضبط.. إنه نفس المكان الذى لوّحت فيه بقبضتك من قبل.