قالها أولاند، الرئيس الفرنسى فى مؤتمره الصحفى الذى أعقب مذبحة «شارلى إبدو»: «الذين قاموا بالمذبحة لا يمثلون الإسلام»، وعنه راحت أجهزة الإعلام الغربية والعربية، تتناقل المعنى، فى ما يمكن اعتباره مجاملة غربية وإبراء عربيًّا للذمة، هذا ليس الإسلام وهذا ليس أى دين، هذا إرهاب. كم من الوقت وكم من الدماء كان الغرب يحتاج إليها ليتأكد أن ما تخوضه مصر منذ عامين ليس دينًا ولا سياسةً، ليس إقصاء ولا اختلافًا، وإنما هو حرب، حرب وجود، ضد نوع من الإجرام. عقب المعجزة ، معجزة إسقاط الشعب المصرى حكم الإخوان، وقف أغلب دول أوروبا يتفرج على احتراق عشرات الكنائس المصرية، وعلى انفجارات القنابل فى كل مكان، وعلى أبشع أنواع القتل ربما فى تاريخ الإنسانية، لما قام المجرمون بإرغام ضباط شرطة قسم كرداسة على شرب مية النار ، ومع أن معظم دولها عرفت وتعرف وذاقت من نفس الكأس (فى عام 2012 كان آخر ما شهدته فرنسا من أمثال تلك الجرائم، بهجوم فى مدينة تولوز، راح ضحيته نحو سبع من الضحايا، ثلاثة عسكريين وثلاثة أطفال وقام به فرنسى من أصل جزائرى يدعى محمد رماح) ومع ذلك مارس الغرب مع مصر، نوعًا من الإنكار والتغاضى، وحتى المعاهد البحثية فى الغرب كان أغلبها مصرًّا على سياق من الكلام وإطلاق للأحكام، أقل ما يقال فيه أنه غير منصف، للواقع أو حتى للعلم الذى كانوا يتخفون وراءه. وتعرض عديد من الكتاب والمثقفين لانتقادات من نفس هذا الغرب لمجرد أنهم اختاروا الوقوف إلى جانب الدولة المصرية، ورفضوا ممارسات الإرهابيين. بعد عامين يأتى نفس هذا الإجرام المحترف ليبلور ما حاولت مصر أن تصرخ به، وأن تنبه له، هذا الإجرام المحترف لا يهدد مصر وحدها وإنما الإنسانية كلها، وإن خلط الأوراق لا يجوز ولن يجوز. أوروبا الآن تلجا إلى حماية نفسها بإغلاق للحدود ومراقبة للأثير والمواقع الإلكترونية، وتراجع كثيرًا مما كانت جماعات بعينها، تشهره فى وجهنا. قبل واقعة شارلى إبدو ، كانت مدن ألمانية عديدة، تنتظم أسبوعيا فى سلاسل من التظاهرات الأسبوعية، التى تضم الآلاف الرافضة لما سمته صراحة أسلمة أوروبا ، وبعد واقعة شارلى إبدو ، أوروبا تتحالف لتواجه إجرام الإرهاب، والرؤية المهيمنة، محورها التنسيق الذى سوف ولا شك يدرك أن المصالح تجبرهم على التوصيف السليم، وسوف تفعل ذلك، وهى حريصة على أن تؤكد أنها تحارب إجرامًا ولا تقف فى مواجهة دين. لماذا المسلمون بالذات صاروا رمزًا دمويًّا وحملوا دينهم آثام طيشهم ومجونهم؟ ومع ذلك يبقى السؤال: إلى أى مدى ينبغى للعبارة التى أطلقها أولاند، الرئيس الفرنسى وغيره، أن تعفى المؤسسات الدينية الإسلامية من الشعور بمسؤولية فعلية إزاء فهم للدين ينتج قتلة وإرهابيين؟ هل يكفى القول إن هذا ليس من الدين فى شىء؟ هل هذا كل ما يمكن أن تقوله لنا المؤسسات المنوطة بها تنقية ما يمكن تنقيته من متون؟ نحن اكتوينا، والعالم يكتوى، ولا أعتقد أن المسائل سوف يطول أمدها أكثر، طال الوقت أو قصر، الصورة الواضحة فى الذهنية الإنسانية تلصِق بالإسلام والمسلمين العنف والدماء. أهواء السياسة وإغواؤها ولجوء الغرب إلى استثمار أى نقاط لخدمة مصالحه لا ينبغى أن يخفف من الإحساس بمسؤولية المسلمين أنفسهم عن فهمهم لدينهم، وعن الفهم الذى جعل من الموت والقتل عنوانًا لدينهم ودنياهم. لما دعا الرئيس السيسى قبل أيام لتحمل المسؤولية من قبل المؤسسة الدينية، إزاء أنواع من الفهم للدين تصدِّر الكراهية والعنف، هالنى رد الفعل لما خرج علينا البعض من علماء الدين بالتصريح بأنه بناء على توجيهات الرئيس، بدأ العمل على كيت وكيت. هل بمثل هذه العقلية ينصلح الحال ويستقيم الفهم؟ وهل يمكن أن نوكل إليها مسؤولية؟ صحيح أن الذين يقتلون هنا وهناك لا يمثلون الإسلام، كما قال أولاند (حتى لو كان يجامل) وغيره لكن هناك فهمًا للإسلام نحن مسؤولون عنه، أنتج هؤلاء.