عام مضى.. وعام جديد يأتى.. وكلام المتنبى هو ما يحوم فوقنا: عيد بأى حال عدت يا عيد.. بما مضى؟ أم بأمر فيك تجديد؟ التجديد لا يأتى به تغيير الأرقام القديمة بأرقام جديدة. التجديد يأتى به الناس، وهم يتدافعون: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز». الناس يتدافعون حسب أدوات القوة، التى يملكون ناصيتها، ويسيطرون عليها. وقد تعلمنا أن أقوى أدوات القوة هو الحق. التسريبات هى أهم ملمح من ملامح الصراع رأيناه عام 2014. تلك تسريبات بدأها عبد الرحيم على. ويبدو أن معتز مطر سيتسلم بها العام الجديد. تسريبات عبد الرحيم على خاصة بشباب شاركوا فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو. فى الثورة الأولى كانوا يحلمون بإسقاط نظام. وفى الثورة الثانية كانوا يسعون لتصحيح خطيئة تسببهم فى مجىء الإخوان. فى المشاركتين لم يكن لديهم سوى صدور عارية وأكُف مرفوعة وحناجر تصرخ: الشعب يريد.. فى المرة الأولى كان الشعب يريد إسقاط دولة مبارك، وفى المرة الثانية كان الشعب يريد إسقاط دولة المرشد. تسريبات معتز مطر خاصة برجال دولة، يخططون لضخ الروح فى الدولة، التى يعرفونها. الدولة التى ترقوا فى نظامها وتعيشوا منها، لا لدولة حلم بها الثوار. سقط نظام مبارك، وسقط نظام المرشد: ومثلما دولة مبارك تلوّح بالعودة لنشر غمامتها الكئيبة فوقنا من جديد.. فإن دولة المرشد فى السجون تلوّح بمظلوميتها لنشر قتامتها فوقنا من جديد. ونحن بين كتامة نظام مبارك وقتامة نظام المرشد، نبحث عن طريق. التسريبات الأولى، بدا أنها حملة منظمة من طرف النظام لتشويه من شاركوا فى رج أساساته فى 25 يناير. التسريبات الثانية، بدا أنها صراع ضباع من بقايا النظام، تريد أن تحجز لنفسها مكانا فى عالم ما بعد 30 يونيو. وفى الحالتين، نحن أمام ضباع مأزومة.. أزمتها فى إحساسها بالزمن، وفى قدرتها على استخدام أدواته.. وكما أن الإخوان جاؤوا من أزمان سحيقة ليطاردوا ثورة المصريين. فإن هذه الضباع قادمة لتطارد الثورة أيضًا. الثورة تبشر بقيم جديدة، والضباع تبشرنا بدولة ثرنا عليها ورججناها من أساساتها، ومن المستحيل أن تقوم لها قومة ثانية. الثورة اليوم فى حالة انحسار. ومثلما انحسار البحار لا يعنى موتها، فإن انحسار الثورات لا يعنى موتها أيضًا. نحن اليوم فى أشد الحاجة إلى تصحيح المصطلحات. ومن المصطلحات الخاطئة، مصطلح: تنتصر الثورة حين يحكم الثوار. الصحيح تنتصر الثورات حين تتسيد قيمها. حين تفرض تلك القيم نفسها على الواقع، بالأحرى حين يستسلم الواقع لتلك القيم. الصراع الآن بين منظومتين قيميتين: واحدة تلوّح بالمستقبل، والثانية تلوّح بالماضى. واحدة تلوّح بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. والثانية تريد أن تبقينا تحت الوصاية، وصايتها هى، مرة باسم الدين، ومرة باسم الدولة.