كانت فى بدايتها فكرة عرضها شفاهيًّا د.سعد الدين إبراهيم، على الأمير القطرى. التقط الأمير الفكرة وطلب من د.إبراهيم كتابتها. د.إبراهيم كتبها فى سطور قليلة.. ربما فى صفحة أو صفحة ونصف الصفحة. طلب الأمير من مرؤوسيه تنفيذها. فكانت قناة «الجزيرة» التى زلزلت عروش الشرق الأوسط وكانت صوت مَن يعملون على إسقاط تلك العروش، واستبدال أنظمة ديمقراطية بها. ظلت الجزيرة تواصل دورها المدهش حتى 11 فبراير 2011 حين بدا واضحًا أنها تتحوَّل إلى صوت للفاشية الدينية. حينها بدأ تهاوى قناة الجزيرة ونزولها من على عرشها كواحدة من أكثر قنوات العالم من حيث عدد المشاهدين، إلى قناة مثيرة للشفقة، وأحيانًا للتقزز. لكن يبدو أن الرهان القطرى على الفاشية الدينية كان جذريًّا. إذ لم يلفت نظر السياسى القطرى تهاوى قناة الجزيرة ، وظل مندفعًا فى انحيازاته. وفجأة لقينا شبكة الجزيرة تعلن عن قناة خاصة فى مصر أطلقت عليها الجزيرة مباشر- مصر ، وهو الفعل الذى لا بد أن يستدعى الفعل الأمريكى فى العراق، حين أطلقت أمريكا نسخة من قناة الحرة أسمتها: الحرة- عراق ، لكن العراق كان بالفعل والقول تحت الاحتلال الأمريكى. أما مصر فلم تكن تحت أى احتلال لا قطرى ولا غير قطرى. قناة الجزيرة مباشر- مصر دفعتنا لنرى النصف الفارغ من كوب شبكة الجزيرة بعد أن كنا فى حمأة الصراع لا نرى سوى نصفها الملآن. بدأنا نتذكَّر كيف أن الجزيرة ظلَّت منذ بدايتها منحازة للشعبوى فينا، من انحيازها لصدام وحتى انحيازها لحماس وللعمليات الانتحارية التى أقدمت عليها، حين كان الانتحارى الفلسطينى ينطلق من غزة والضفة مزنرًا بحزامه الناسف، ليفجر حاله فى المطاعم والباصات. لم يلفت نظرنا حينها هذا الانحياز، ببساطة كانت الأجزاء الأكبر منا، غير مدركة لخطورة الفعل الانتحارى ولرفض المجتمع العالمى له. الأجزاء الأكبر منا لم تفهم انعكاساته المستقبلية على القضية الفلسطينية، بل لم تدرك انعكاساته المستقبلية علينا نحن، حيث ارتد تكتيك تفجير الحال علينا نحن، فصرنا نكتوى به فى سورياوالعراق، بل وفى مصر نفسها. ويظل السؤال: لماذا اختارت السياسة القطرية أن تراهن على أبأس ما فينا؟ وجهنا الفاشى؟ السياسى لا يلقى بقرش واحد فى النار. وهذا مقبول من السياسى. السياسى فى النهاية يعمل لمصالحه. لكن غير المقبول من السياسى هو مراهنته على الوهم. والفاشية تحوَّلت إلى أوهام وهلاوس فى اللحظة التى اخترعت فيها البشرية اختراعيها المذهلين، الكمبيوتر وشريحة المحمول. الاختراعان جاءا بمثابة قراءة الفاتحة على روح الفاشية. أن تأتى متأخرًا خير من أن لا تأتى.. تخلّت قطر عن الإخوان وأقدمت على إغلاق قناة الجزيرة مباشر- مصر . السياسة الأمريكية سبقت السياسة القطرية حين واربت الباب فى وجه الإخوان. العالم كله أدرك أن موضوع الإخوان ينتمى إلى عوالم الهلاوس. وتركيا اليوم فى طريق التخلّى عن الإخوان، فها هو نائب رئيس وزرائها، بولند أرينج، يقول: يجب إزالة التوتر القائم بين مصر وتركيا . ويضيف: أجريت انتخابات فى مصر والسيسى وصل إلى الحكم، وهذا الوضع قائم، والعالم بأسره تقبّل شرعيته، فالسيسى اليوم يمكنه زيارة أمريكا والبلدان الغربية، وفى هذا الخصوص، علينا أن نقيم علاقاتنا مع مصر على أرضية سليمة بشكل عاجل . هذا لا يعنى بالمرة أننى (شخصيًّا) عدوانى ضد أشخاص الإخوان. هم مواطنون مصريون. لكن هذا يعنى أننى أُمَنِّى النفس بأن تكون تلك دوافع لإنضاج الحالة الإخوانية.. ينضج الإخوانى حين يُقدم الإخوانى على حل تنظيمه الفاشى، ويستبدل حزبًا به (حزب عادى مثل كل الأحزاب فى أربعة أنحاء الأرض).