قمة الرياض التى عقدت يوم الأحد (16 نوفمبر الجارى) وجمعت خمسة من قادة الدول الست أعضاء مجلس التعاون الخليجى اكتسبت أهمية كبيرة، لكونها قمة طارئة سوف يتوقف عليها مصير القمة الخليجية الدورية التى سوف تعقد فى الدوحة عاصمة دولة قطر، ومن ثم مصير ومستقبل مجلس التعاون الخليجى، لأن فشل قمة الرياض هذه فى حل أزمة سحب سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين من قطر، كان يعنى أن قمة الدوحة لن تعقد، وسيكون مجلس التعاون أمام أحد احتمالين، إما نقل القمة إلى الكويت، وإما إلى أى عاصمة خليجية أخرى، وإما تأجيل القمة لأجل غير مسمى، وكان كل من هذين الخيارين يعنى أن مجلس التعاون الخليجى فى مأزق حرج، خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك التوترات المكبوتة بين السعودية وسلطنة عمان التى لم تحضر قمة الرياض والتى كانت قد استضافت، وعلى مدى يومين، مفاوضات عالية المستوى حول أزمة البرنامج النووى الإيرانى حضرها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى كاترين آشتون، ومحمد جواد ظريف وزير خارجية إيران. انتهت قمة الرياض، وبحمد الله، إلى إنهاء الخلافات المثارة مع قطر من جانب السعودية والإمارات والبحرين، واتخذ قرار بعودة السفراء إلى الدوحة، وتقرر انعقاد القمة الخليجية الدورية الشهر المقبل فى الدوحة، وتنقية الأجواء بين الدول أعضاء المجلس، وامتد الأمر إلى مصر وإلى أزمة العلاقات المصرية– القطرية، والحديث عن آفاق مصالحة مصرية- قطرية على هدى من المصالحة الخليجية- الخليجية. الدعوة إلى مصالحة مصرية- قطرية جاءت فى بيان صدر باسم الملك عبد الله بن عبد العزيز عن الديوان الملكى السعودى يوم الأربعاء الماضى (19 نوفمبر الجارى) جاء فيه حرص الملك وإخوانه قادة المجلس على إنهاء كل أسباب الخلافات الطارئة، وبدء صفحة جديدة لدفع مسيرة العمل المشترك «ليس لمصلحة شعوب دول مجلس التعاون فحسب، بل لمصلحة شعوب أمتنا العربية والإسلامية». البيان تضمن أيضا تأكيد الوقوف جميعا صفا واحدا إلى جانب مصر والتطلع إلى «بدء صفحة جديدة ومرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء». وبناء على ذلك ناشد الملك عبد الله مصر شعبا وقيادة «السعى معنا فى إنجاح هذه الخطوة فى مسيرة التضامن العربى كما عهدناها دائما عونا وداعمة لجهود العمل العربى المشترك». المطلوب من مصر إذن أن تتصالح مع قطر؟! حسنًا، لكن ما قواعد هذه المصالحة؟ وما ضمانات النجاح، أو بالتحديد من سيضمن قطر أن تغير موقفها العدائى ضد مصر وتحالفها مع الإخوان وتركيا بهدف إسقاط ما يسمونه ب«الانقلاب»؟ ربما يكون الجواب هو أن السعودية والملك عبد الله شخصيا هو من سيكون معنيا بأن يكون ضامنا لتعهدات قطرية عرضت فى قمة الرياض، وكانت أساسا للمصالحة الخليجية. هذا يعنى أن المصالحة الخليجية- الخليجية ومستقبلها ستكون هى قاعدة الأساس فى المصالحة المصرية– القطرية، وأن ارتباطا شرطيا سيفرض نفسه بين نجاح أو فشل هاتين المصالحتين. هذه حقيقة مهمة تستوجب البحث فى مدى جدية هذه المصالحة الخليجية– الخليجية، وهذا يدفعنا إلى البحث عن أهم دوافع هذه المصالحة التى أقنعت الدول الأربع: السعودية والإمارات والبحرين وقطر على حل الخلافات وإعادة السفراء الثلاثة المسحوبين إلى الدوحة، هل هى دوافع ثابتة راسخة أم هى دوافع طارئة؟ نستطيع أن نحدد ثلاثة دوافع أساسية وخطيرة أدركها قادة الدول الخمس التى حضرت قمة الرياض. أول هذه الدوافع تخوفات السعودية بالأساس ودول خليجية أخرى، خصوصا الإمارات والبحرين، من المخاطر المحتملة لنجاح إيران فى التوصل إلى حل مع الغرب لأزمة برنامجها النووى، وبالذات بنود الأجندة الأخرى للتوافق الإيرانى- الغربى والأمريكى بشكل خاص بخصوص ما يتعلق بالدور الإقليمى الإيرانى وحدود هذا الدور. فالخوف كل الخوف أن يؤدى التوصل إلى حل لأزمة البرنامج النووى الإيرانى إلى توافق أمريكى- إيرانى حول قضايا عربية ساخنة وإلى دور إيرانى مدعوم أمريكيا فى الحرب على الإرهاب، وإلى حل للأزمة السورية يسمح ببقاء الرئيس بشار الأسد فى الحكم. ثانى هذه الدوافع يتعلق بالمخاطر المتصاعدة من إرهاب ما يسمى الآن ب«الدولة الإسلامية» (داعش) التى أعلنت نفسها دولة للخلافة الإسلامية ضاربة عرض الحائط بمكانة السعودية التى باتت ضمن مخطط التمدد لهذه الدولة تحت مسمى «أرض الحرمين» كما هو حال التمدد فى مصر واليمن وليبيا والجزائر، إضافة بالطبع إلى تأسيس هذه الدولة على أرض «العراق والشام». فشل التحالف الدولى الذى تقوده الولاياتالمتحدة فى إنهاء ما كان يسمى ب«أسطورة داعش» أخذ يهدد بتحويل الأسطورة إلى واقع خطير يستلزم مجابهته من كل دول المنطقة. ثالث هذه الدوافع خليجى بحت يتعلق بالقمة الخليجية المقبلة التى يعنى فشل انعقادها إيذانا بفشل المجلس فى ظل ما هو مثار أيضا من توترات تتعلق بالسياسة العمانية، ولعل فى عدم حضور عمان قمة الرياض يحمل من دلائل الخلافات والتوتر ما يدعم مخاوف السعودية على مستقبل المجلس فى ظل تهديدات عمانية سبقت القمة الخليجية السابقة (ديسمبر 2013) بالانسحاب من المجلس إذا أصرت الرياض على تطويره إلى «اتحاد خليجى». ثلاثة دوافع تتعلق بمخاطر حقيقية تتهدد أمن وسلامة دول المجلس وتفرض المصالحة، وهى دوافع متحركة غير ثابتة لا تؤسس لمصالحة حقيقية ومضمونة، وهذا سيفرض نفسه حتما على أفق المصالحة المصرية- القطرية.