أخيرًا.. بدأت الخطوات العملية للحرب الشاملة ضد الفساد بكل أشكاله المالية والسياسية، لم يكن ممكنًا أن تبدأ هذه الحرب قبل ثورة يناير حيث الفساد هو الذى يحكم بالفعل!! ولم يكن ممكنًا أن تبدأ الحرب فى ظل حكم الإخوان وهم شركاء فى هذا الفساد، وساعون إلى وراثته بالكامل!! وتأخرنا بعد 30 يونيو فى المواجهة بسبب الظروف الصعبة التى مررنا بها فى ظل إرهاب الإخوان وحلفائهم، ومحاولات الأعداء لحصار الثورة واستنزاف قواها!! وربما ساعد هذا التأخير فى أن نرتب أوراقنا جيدًا لمعركة شرسة لا بد منها إذا أردنا بالفعل استئصال الفساد جنبًا إلى جنب مع استئصال الإرهاب. وربما ساعد هذا التأخير أيضًا فى أن يكشف لنا الفساد عن كل وجوهه القبيحة، وهكذا رأينا المقاومة الشديدة لمحاولات الدولة استرداد حقوقها المنهوبة، ورأينا السعى الحثيث لمحاولة إعادة الحياة إلى نظام ما قبل يناير حيث الجنة الموعودة لحرب الفساد الذى جمع بين المال والسلطة وكاد يقود البلاد إلى الهاوية. ورأينا المحاولات المستميتة لإقامة إمبراطوريات إعلامية تعمل وفق «أجندة» تستهدف تشويه ثورة يناير، وتزرع الفرقة بين رفاق الثورة، وتحاول تجميع صفوف حزب الفساد ليسيطر على البرلمان القادم مستخدمًا المال المنهوب والنفوذ الإعلامى الذى ينفق عليه بسخاء شديد!! ثم رأينا الوجوه القبيحة لهذا الفساد تطل من جديد وتحاول الاستحواذ على المشهد، وتستغل الثغرات والخلافات بين قوى الثورة الحقيقية لتجمع صفوف أباطرة الفساد، وتبدأ فى شراء الأعوان وتمهيد الطريق أمام عودة «ظنت أنها سهلة وممكنة» خصوصا بعد أن بدأ خروج رموز الفساد الكبيرة من السجن ليبدأ الحديث عن عودة رجال مثل أحمد عز إلى المشهد السياسى بكل ما يعنيه ذلك من إهانة للثورة واستهانة بمشاعر وعقول الملايين التى عانت المرار فى أيامهم السوداء التى لا يمكن أن تعود مثلها مثل أيام الإخوان الأكثر سوادًا، فقد أسقط الشعب الجماعتين بلا رجعة. أسقط جماعة الفساد فى يناير، وجماعة «الإخوان» فى يونيو، وهو يحارب الآن معركته المزدوجة ضد إخوان الإرهاب، وإخوان الفساد، ليشق الطريق أمام مصر الجديدة التى يحلم بها كل المصريين ويصممون على بنائها. وليست صدفة أن تبدأ الحرب على الفساد، ونحن نخوض حربنا المقدسة ضد الإرهاب، فالاثنان وجهان لعملة واحدة، ومصر لن تتقدم إلى الأمام إلا بالخلاص منهما معًا، وليست صدفة أن تبدأ الدولة فى استعادة أموالها المنهوبة فى نفس الوقت الذى تستعيد فيه سيطرتها الكاملة على أرض تحولت إلى بؤر للإرهاب، وعلى حدود كان يعبر منها السلاح والقتلة!! والمهم أن ندرك جيدًا أن حربنا ضد الإرهاب طويلة، وأن حربنا ضد الفساد ستكون شرسة، وهى لن تقتصر على استرجاع حقوق الدولة المنهوبة، خصوصا فى الأراضى وهى حقوق تتجاوز قيمتها مئات المليارات من الجنيهات، ولن تقتصر أيضًا على محاكمة الفاسدين على ما ارتكبوا من جرائم فى حق الدولة والشعب، ولكنها تمتد لتهيئ المناخ الصالح لبناء الاقتصاد على أسس سليمة، ولإقامة حياة سياسية لا يتحكم فيها المال الفاسد، ولا يصل فيها الفساد إلى الحكم كما حدث قبل يناير. ويبقى الأهم.. أن الحرب ضد الفساد فى هذا التوقيت هى رسالة واضحة من الدولة ومن الرئيس السيسى نفسه يتم من خلالها الرد على الصورة التى حاول حزب الفساد فى الفترة الماضية ترويجها ليصور الأمر على أن الحكم سيغض الطرف عن هذا الفساد، وسيفتح أمامه أبواب العودة إلى نفوذه القديم!! الحرب ضد الفساد فى هذا التوقيت رسالة تكشف زيف هذا الادعاء، وهى رسالة تعنى الترجمة الصحيحة لها أن الانحياز الحقيقى للحكم هو مع مصالح الملايين من الطبقات الفقيرة التى عانت طويلا، والتى لن تستطيع الدولة رفع الظلم عنها من دون استعادة ما نهب من المال العام، ومن دون سياسات جديدة أكثر عدالة وأشد انحيازًا للفقراء. أيضًا.. الإعلان عن الحرب ضد الفساد الآن يعنى «فى ترجمته السياسية» أن تتوقف الحملات التى رعاها حزب الفساد ضد ثورة يناير، وأن تختفى الوجوه القبيحة الممثلة لهذا الفساد من المشهد السياسى بعد أن أثار وجودها المشبوه المخاوف لدى قطاعات عديدة من قوى الثورة الحقيقية خصوصا من الشباب، وهى مخاوف كان لها ما يبررها، وأظن أن الحرب الحقيقية ضد حزب الفساد سوف تُسهم فى تبديد هذه المخاوف، وسوف تفتح الباب لاستعادة الوحدة بين قوى الثورة «وفى مقدمتها الشباب» لنواجه معا الفساد والإرهاب فى حرب نعرف مدى شراستها، ونؤمن أننا لا نملك فيها إلا خيارًا واحدًا.. أن ننتصر لمصر وثورتها.