لا أحد يعرف شيئا عن هشام الطيب، غير أنه صار عنوانا لخبر مقتضب مرتبط بقرار من مجلس الوزراء بإسقاط الجنسية عنه. السؤال الذى انشغل به الجميع منذ إعلان الخبر، من هو هشام الطيب؟ وماذا فعل؟ لكن قليلين من سألوا وهل يجوز أصلا أن يصدر رئيس الوزراء قرارا إداريا بإسقاط الجنسية عن مواطن دون حكم قضائى؟ وهل يجوز من الأصل لقاض أن يصدر حكما بإسقاط الجنسية عن مواطن؟ ما هو متاح من معلومات من واقع قرار رئيس الوزراء الذى نشرته الجريدة الرسمية، أن وزير الداخلية عرض على مجلس الوزراء تقريرا حول انضمام المواطن هشام الطيب إلى جهات أجنبية تعمل على تقويض النظام الاجتماعى والاقتصادى للدولة، وبالتالى وافق على إسقاط الجنسية عنه وفق أحكام القانون رقم «26» لسنة 1975 الخاص بتنظيم منح الجنسية وإسقاطها. لم يتضمن القرار المنشور أى حيثيات، ما الجريمة التى ارتكبها هشام الطيب ليكون عقابها إسقاط الجنسية؟ ما الجهات الأجنبية التى تحاول تقويض النظام فى مصر؟ والأهم من كل ذلك هل يعد تقرير وزير الداخلية فى حد ذاته حكم إدانة أم مجرد مذكرة تحريات تحتاج إلى تحقيق قضائى؟ لم تحاول وزارة الداخلية التى سعت لاستصدار القرار، أو مجلس الوزراء الذى وافق عليه، أو رئيس الوزراء الذى أصدره شرح الأمر للرأى العام، والإجابة عن هذه الأسئلة، واكتفت الصحف بنشر هذا الخبر المقتضب دون أن تظهر أى محاولة للبحث عن تفاصيل، حتى ولو بجملة رفع الحرج المهنى الشهيرة «ولم يتسن للصحيفة الوصول إلى تفاصيل أخرى». ما الجهات الأجنبية تلك؟ الموساد مثلا.. لم يسبق أن سقطت الجنسية المصرية عن كل الذين أدانتهم أحكام قضائية نهائية بالتجسس لصالح إسرائيل منذ إنشائها. ما الجريمة؟ محاولة قلب نظام الحكم مثلا.. لم يسبق أيضا أن سقطت الجنسية عن كل من أدينوا قضائيا بالتخطيط لمؤامرات لقلب نظام الحكم. هل الأمر متعلق بالإرهاب؟ لم يسبق كذلك إسقاط الجنسية عن أى إرهابى مصرى مدان، سواء أمام القاضى الطبيعى أو العسكرى، حتى فى ذروة تهديدهم الدولة والمجتمع فى الثمانينيات والتسعينيات، هل سمعت من قبل عن قرار بإسقاط الجنسية عن أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة، أو مصطفى حمزة قائد المجموعة التى حاولت اغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا، أو غيرهما؟ يقولون إن القرار قانونى، وإن القانون لا يلزم بالحصول على حكم قضائى مسبق، وإذا طالعت بالفعل القانون رقم 26 لسنة 1975، الذى استند إليه القرار، ستجد المادة 16 منه تمنح رئيس الوزراء صلاحية إسقاط الجنسية فى حالات محددة، تصل إلى عشر حالات، منها بالفعل إقامة المواطن فى الخارج وانضمامه إلى هيئات من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعى والاقتصادى للدولة، لكن القانون يقول قبل تفصيل الحالات فى بداية المادة، إنه يجوز إسقاط الجنسية بقرار مسبب.. فهل القرار الخاص بهشام الطيب مُسبَّب بأى أسباب؟ تتصدر القرار كذلك جملة «بعد الاطلاع على الدستور»، تعالَ إذن نطلع عليه، لنقرأ المادة «6» من الدستور الحالى التى تقول: «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية، والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه. ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية».. الجنسية إذن حق، والحق لا ينتزع هكذا بسهولة والتباس وبقرارات إدارية، كما أن الدستور كما ترى فى النص بوضوح فوض القانون فى تنظيم شروط تنظيم الحق واكتساب الجنسية، ولم يشر إلى إسقاطها، والإسقاط لا يكون جزءا من تنظيم الحق إلا فى حالات التجنس بجنسيات أخرى واختيار المتجنس الجنسية الأخرى، بمعنى إسقاطها بمعرفته ورضاه. كل ذلك لا يعنى بالضرورة الدفاع عن جريمة ما لا نعرفها، ارتكبها مواطن لا نعرفه، لكنها محاولة للفهم والاطمئنان أيضا أن لعبة «سحب الجنسية» لن تصبح أداة سياسية، لأن مصر دولة، وليست قبيلة.