لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير فى غزة بين الفلسطينيين وإسرائيل الذى سوف يستمر لمدة شهر إلا ثمرة للجهود المصرية مع الجانبين وكل القوى الدولية، وهو يعتبر فرصة مهمة للعودة من جديد لمفاوضات السلام للوصول إلى حل نهائى للقضية الفلسطينية، وقد جاء هذا الاتفاق تتويجا للمساعى المصرية التى بدأت مع انطلاق العدوان الإسرائيلى على غزة الذى استمر لمدة 50 يوما وأدى إلى سقوط أكثر من 2300 شهيد وما يزيد على 11 ألف مصاب وجريح، ولم يكن الوصول إلى هذا الاتفاق سهلا بل نجحت مصر فى الوصول إليه بعد جهود مضنية وفى ظل رفض كبير من جانب حماس وقوى دولية وإقليمية وعربية للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، وكذلك اعتراض إسرائيلى عليها تحت زعم انحياز مصر إلى الجانب الفسطينى، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد زعمت «حماس» أن موقف مصر غير مساند للفلسطينيين، وهو ما يجافى الحقيقة تماما. ولأن مصر هى أكثر الدول العربية حرصا على القضية الفلسطينية وأشدها تمسكا بصالح الفلسطينيين فإنها لم تأبه بمحاولات أمريكا وتركيا وإيران فضلا عن «حماس» للتقليل من الدور المصرى من خلال رفضها المبادرة المصرية التى كانت تهدف إلى الدخول فى مفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى القاهرة سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة للوصول إلى حل لهذه الأزمة، ولقد وصل الأمر إلى عقد اجتماع سُباعى فى باريس لحل الأزمة مع استبعاد مصر منه تقليلا من شأنها وتهميشا لدورها، وشارك فى هذا المؤتمر وزراء خارجية أمريكا وتركيا وقطر وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا بالإضافة إلى ممثل للاتحاد الأوروبى، ولكن هذا الاجتماع لم ينجح فى تحقيق وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى أو إحراز أى تقدم فى طريق الحل، وفى نفس الوقت ظلت إسرائيل تحاول عرقلة الدور المصرى وتسعى لإبعاد مصر عن لعب أى دور فى هذه المفوضات لأنها على قناعة تامة بأن هدف مصر الأول والأخير هو تحقيق الصالح الفلسطينى والوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية يقضى بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وظلت إسرائيل طوال الوقت ترفض الضغوط المصرية لوقف إطلاق النار رغبة منها فى أن تاخذ الوقت الكافى لمواصلة عدوانها الوحشى والإجرامى على غزة.ومن المؤسف أن «حماس» التى ظلت ترفض المبادرة المصرية لفترة طويلة أتاحت لإسرائيل فرصة ذهبية بل قدمتها لها على طبق من ذهب لتُلحق أكبر قدر ممكن من الأضرار المادية والبشرية بغزة وأهلها. ولأن فشل جميع القوى الرافضة للدور المصرى كان بارزا وواضحا أمام أعين كل منصف وعادل، وبعد أن انهارت كل اتفاقيات وقف إطلاق النار التى كان يتم التوصل إليها وكانت لا تصمد إلا ساعات، وبعد أن وصل الجميع إلى طريق مسدود ونفق مظلم لم يكن أمامهم سوى العودة إلى المبادرة المصرية ومطالبة مصر بإلحاح سواء من جانب «حماس» أو القوى الإقليمية أو العربية أو أمريكاوالأممالمتحدة، بالإضافة إلى إسرائيل، بإعادة طرح مبادرتها وتفعيلها، وكعادة مصر وحرصًا منها على مصالح الشعب الفلسطينى فى غزة فقد أعادت طرح مبادرتها وتفعيلها واحتضنت المفاوضات غير المباشرة فى القاهرة بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى الذى ضم ممثلين للسلطة الفلسطينية و«حماس»، وسعت بكل ما تستطيع من قوة وجهد لوقف إطلاق النار بين الجانبين لأطول فترة ممكنة والتقريب بين مواقف كل من الجانبين بعد أن كانا متباعدين بُعد المشرق عن المغرب، حيث يتصرف كل طرف باعتباره منتصرا فى أحداث غزة، فحماس تطالب بفتح ميناء غزة والمطار وإطلاق سراح الأسرى المتفق عليهم فى «صفقة شاليط» وفتح المعابر بين غزة وإسرائيل، أما إسرائيل التى ألحقت الدمار والخراب بالجانب الفلسطينى على المستوى المادى والبشرى فتتصرف كأنها قد انتصرت فى معركة غزة وتذهب إلى حد المطالبة بنزع سلاح الفصائل مثل حماس (كتائب القسام) والجهاد وغيرها من المنظمات الموجودة فى غزة وذلك كشرط للالتزام بوقف إطلاق النار والدخول فى مفاوضات السلام، وهو الأمر المستبعَد تنفيذه قبل قيام الدولة المستقلة. وما بين مطالب حماس ومنظمات غزة ومطالب إسرائيل فإن مصر تسعى بكل ما تملك من جهد إلى التوصل إلى وقف دائم وثابت لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات والمواد اللازمة لإعادة إعمار غزة وصولا إلى الدخول فى المفاوضات. ولا شك أن التقدير من جانب المجتمع الدولى المتمثل فى الأممالمتحدةوأمريكا والاتحاد الأوروبى وكل دول العالم بالإضافة إلى أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية، وتراجع حماس عن موقفها السابق واعترافها بالدور المصرى الفعال وموقفها الثابت من الحقوق الفسطينية، كان أكبر رد على المشككين فى هذا الدور، وجاء بمثابة البرهان على استعادة مصر دورها المحورى على المستوى العربى والإقليمى والدولى باعتبارها رمانة الميزان فى المنطقة وأنه لا حرب ولا سلام من دونها.