«رمضان فى مصر مميز عن كل دول العالم والحمد لله ما زال عندنا المسحراتى».. هكذا بدأ حديث منى عمر، السفيرة المصرية والأمين العام للمجلس القومى للمرأة، التى شغلت عديدا من المناصب السياسية الهامة، فقد عملت كمساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، والمبعوث الخاص للرئيس المؤقت عدلى منصور للدول الإفريقية، والمنسق العام للمنظمة العربية الإفريقية لتطوير العشوائيات. منى فتحت ل«التحرير» صفحات من ماضيها، مستعيدة معنا أجمل ذكرياتها مع رمضان، وأجمل وأصعب فترات حياتها والنجاحات التى حققتها فكان معها هذا الحوار. ■ نريد أن نتعرف عليكِ من واقع البطاقة العائلية؟ - كان والدى يعمل أستاذا جامعيا، وشغل منصب رئيس قسم الباثولوجى بكلية الطب جامعة عين شمس، وتُوفى عندما كنت فى السنة الأولى بالجامعة.. والدتى ربة منزل، ولدى أخان أولهما صحفى بأخبار اليوم، والآخر كان لواء بالحرس الجمهورى وهو الآن مدير مركز تدريب سقارة، زوجى سفير سابق بالخارجية ويعمل حاليًّا كرئيس مكتب الدول العربية فى الخرطوم، ولدى ابنتان وولد، والثلاثة متزوجون، الابن دبلوماسى فى وزارة الخارجية، وكان فى السفارة المصرية بليبيا فى أثناء أحداث اختطاف الدبلوماسيين، وزوج ابنتى رجل أعمال هو مدير تنفيذى بشركة المغربى والأخرى زوجها طيار، ولدى حفيدتان جنا وجود، 10 سنوات، و7 سنوات. ■ ما الفرق بين رمضان زمان ورمضان الآن؟ - رمضان كان شهرًا خاصا بالروحانيات والعبادات.. هذا أول ما يتبادر إلى ذهنى عندما أتذكر شهر رمضان زمان، أما الآن ومع هذا الكم الهائل من المسلسلات والبرامج التليفزيونية، انشغل الناس عن العبادات بمتابعة التليفزيون، كما افتقد للزيارات العائلية بعد ضعف أواصر الود والمحبة والعلاقات الاجتماعية بين الأهل والأقارب، التى كان يتميز بها الشهر الكريم، أما الآن فقد بات التواصل الاجتماعى أقل بكثير رغم تطور وسائل الاتصال والمواصلات، وسهولة التنقل. زمان كانت الفوانيس أجمل ما يميز رمضان، فلم يكن هناك أجمل من رؤية الأطفال ولعبهم بها فى الشارع وتغنيهم بالأغانى الجميلة، أما الآن فقد تحولت هذه الفوانيس إلى مجرد ديكور، وكثير من الأمور الأخرى لم تعد موجودة، ولكن الحمد لله أنه ما زال لدينا المسحراتى. ■ أخبرينا عن ذكريات طفولتك فى رمضان؟ - ترتبط ذكرياتى فى رمضان بصلة الرحم وزيارة الأهل، والتواصل مع الأصدقاء والأحباب، وفعل الخير، والذهاب إلى المسجد، ثم ليلة القدر ذات المذاق الخاص.. وكل ذلك يرتبط بوالدى، فقد كان حريصا على أداء الصلاة فى جماعة، وخصوصًا الفجر، فكنا نجتمع لصلاة الفجر كأنها صلاة المغرب بالضبط. وفى الطفولة أتذكر عائلتى، فعلاقتى بعائلة والدى ووالدتى كانت قوية جدا ولا تزال، كنا نتزاور مع أعمامى وعماتى، كما كانت هناك أيام محددة ومواعيد منتظمة لزيارة جدتى لأمى وجدتى لأبى على مدار الأسبوع، ونتج عن ذلك كله علاقة أسرية وثيقة وترابط عائلى مثالى، ولا أنسى أُمنية والدى بأن ألتحق بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، حيث كنت أدرس فى مدارس فرنسية أيضا، ولكنه على الرغم من ذلك لم يقف ضد رغبتى فى الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت والدتى دائما ما تشجعنى وتحملت عنى مسؤولية رعاية أولادى فى الأوقات التى كنت يضطرنى فيها عملى للسفر، وكانت تحرص دائما على الوجود معى والوقوف بجانبى، خصوصًا بعد وفاة والدى رحمه الله، ولن أنكر أيضا دور زوجى فى تشجيعى على العمل والنجاح. ■ حدثينا عن السياسة فى رمضان.. - لا تختلف الأمور السياسية قبل رمضان أو بعده، فالكل سواء، وأنا لا أتوقف عن متابعة الأخبار فهى تجرى فى دمى بحكم تاريخى المهنى، فأحرص دوما على متابعة الخلافات السياسية وسياسات الأحزاب، وفى العمل أيضا فأنا الأمين العام للمجلس القومى للمرأة، وخلال هذه الفترة قمنا بإجراء عديد من اللقاءات مع المرشحات اللائى يرغبن فى الترشح لمجلس الشعب، لتقديم الدعم الكامل لهن سواء فى تقديمهن لقوائم الأحزاب، أو تأهيلهن فى ما بعد، ولذلك لم نتوقف عن إجراء هذه اللقاءات فى رمضان.. والطريف أن السيدات أقبلن على اللقاءات بشكل كبير رغم صعوبة هذا فى رمضان، وكان بعضهن من محافظات نائية جدا مثل: شمال سيناء والوادى الجديد وحلايب وشلاتين والنوبة. ولم يتوقف العمل أيضا، على الرغم من سفرى هذا الأسبوع لحضور مؤتمر لدولة ناميبيا فى إفريقيا، بناءً على دعوة من سيدة ناميبيا الأولى، وهو مؤتمر يختص بصحة المرأة، أى أن رمضان لا يحول بيننا وبين العمل وإنجازه على أكمل وجه، رغم المشقة والصعوبة التى نواجهها ولكن ذلك ثوابه عظيم. ■ ما أبرز المحطات فى حياتك؟ - ليست هناك مرحلة بعينها، فأنا أعتبر كل محطة فى حياتى لها طابعها الخاص والمميز، وأفتخر بكل مرحلة وبكل ما أنجزته فيها، ففى فترات عملى بوزارة الخارجية كان من ضمن أعمالى إنشاء السفارة المصرية بجنوب إفريقيا، وحضرت أول انتخابات جاءت بالسود للحكم، وكان على رأسهم نيسلون مانديلا، ثم وجدت فى أثيوبيا إبان محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وكانت فترة مهمة للغاية بالنسبة إلى العلاقات بين البلدين، ثم وجدت فى رواندا عقب المذابح الشهيرة التى أفرزتها الحرب الأهلية، وأسفرت عن مقتل نحو مليون شخص، وكانت فترة مهمة جدا للعلاقات بين البلدين، ثم جاءت بعد ذلك الدنمارك والقضية العالمية الشهيرة الخاصة بالرسوم المسيئة للرسول، واستطعت قيادة العمل الذى أدى إلى وقوف دول العالم الإسلامى وقفة واحدة ضد مرتكبى هذه الجريمة النكراء، ثم سافرت إلى جنوب إفريقيا مجددًا، ثم عملت كمساعد لوزير الخارجية للشؤون الإفريقية لمدة خمس سنوات، وأعتقد أنها كانت من أكثر فترات العمل المصرى فى إفريقيا، ولهذا أعتبر كل محطة لها أهميتها وسمتها المميزة، وأفتخر بكل واحدة فيه. ■ هل مارستِ العمل السياسى من قبل بالجامعة؟ - لا أستطيع القول إننى عملت بالسياسة، ولكنى كنت عضوا نشطا فى اتحاد الطلاب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كما شاركت فى المظاهرة التى حدثت عام 1972، فى عهد الرئيس السادات، وكنا نمارس الأنشطة الطلابية ونمثل نشاطا قويا، فنعد صحف الحائط ونمارس الأنشطة الاجتماعية والرياضية، وفى المجال السياسى التحقت بوزارة الخارجية، ونظرًا لعدم السماح للعاملين بالخارجية بأن يكون لهم انتماءات سياسية أو حزبية، فلم تكن هناك أى ممارسات سياسية لى طوال فترة وجودى بالوزارة. ■ وماذا عن أحلام السفيرة منى عمر المؤجلة التى لم تتحقق بعد؟ - الأحلام التى لم أحققها بعد تتعلق بوطنى، فسأحلم بصورة أريد أن أرى مصر عليها، أن تكون دولة قوية اقتصاديا، ونشيطة سياسيا فتُمارس فيها السياسة بشتى جوانبها، وأن تتخلص من القمامة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سواء القمامة الحقيقية الملقاة فى الشوارع، أو القمامة الفكرية واللفظية المتمثلة فى بعض الأفراد. هناك أيضًا أحلام أخرى تتعلق بالمرأة، فأحلم بأن تنال حقوقها وتستعيد مكانتها، لأنا لا تزال تعانى التجاهل والإهمال رغم التصريحات المستمرة بالاهتمام بها، ولكن الواقع يقول العكس.. أما على المستوى المهنى فأشعر أن الله أعطانى كل ما طمحت إليه، وأشعر بالسعادة لما حققته، وأدعو الله أن يوفقنى فى مهمتى الجديدة كأمين عام للمجلس القومى للمرأة. ■ ما فريقك المفضل فى كرة القدم؟ ومن لاعبك المفضل؟ - فريقى المفضل هو الأهلى، وأعتبر كرة القدم فريقًا وليست فردًا واحدًا، وبالتالى ليس لدى لاعب مفضل. ■ من مطربك المفضل؟ - أفضل الجيل القديم من زمن الفن الجميل، عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وفريد الأطرش وسيد درويش، والأغانى الشعبية القديمة، وأيضًا كل السيدات اللائى عاصرن هذه الفترة، مثل أم كلثوم وشادية وفايزة، وأعشق الموسيقى العربية. ■ ما علاقتك بالمطبخ؟ - حاليًّا هى علاقة منعدمة، ولكنها كانت قوية فى السابق، وفى بداية زواجى لم تكن لدينا إمكانيات كافية لجلب من يساعدنى فى المنزل، وكان زوجى يطلب منى تجهيز عزومات للأجانب، وبالتالى كان من الضرورى أن أكون طباخة ماهرة. ■ هل تتابعين المسلسلات التليفزيونية فى شهر رمضان؟ - طبعًا، وليس على الصعيد الشخصى فقط، بل إن هذه المتابعة بُعد مهنى يقوم على رصد صورة المرأة فى الأعمال الدرامية، ودعينى أقل إنها صورة سلبية تماما للأسف، فقد غابت النماذج الإيجابية بشكل كبير عن الدراما، ولم نعد نرى سوى السيدات يرقصن طوال الوقت أو يعملن بالأماكن المشبوهة. ■ وكيف ترين التخلص من هذه الصورة السلبية للمرأة فى الدراما التليفزيونية؟ - لا بد أن يكون هناك محاولات مستمرة للضغط على صناع الدراما والكتاب والمؤلفين، ليبرزوا النماذج الإيجابية والناجحة فى المجتمع.. نحن فى أمسّ الحاجة إلى وجود قدوة للأجيال القادمة، لنساعدهم فى بناء مستقبلهم ومستقبل الوطن، وليس معنى هذه أننى ضد حرية الإعلام والفكر، فنحن نؤمن بها تماما، ولا نحاول حظر أحد أو الحجر على فكره. مَن الشخصية التى غيرت مجرى حياتك وأثرَّت فيها؟ - مجرى حياتى حتى الآن لم يتغير، هناك أشخاص مهمون جدا فى حياتى وأولهم والدى رحمه الله، فهو من غرس كل هذه المبادئ بداخلى، وكان سندا قويا لى، وجاءت وفاته صدمة وفاجعة كبرى فى حياتى.. وهناك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فأنا معجبة بشخصيته جدا، وأراه من القادة العظماء، ويجب أن يذكره التاريخ بكل خير، حتى لو كانت له أخطاء، فإنجازاته لا تنكر، فقد عمل من أجل مصر، وأرسى قاعدة صناعية وعسكرية كبيرة، وأرى أن علينا تعظيم قادة وزعماء ومفكرى مصر، وإعلاء شأنهم حتى يكونوا قدوة للأجيال القادمة، لأن عملية الهدم المستمرة لكل الرموز تعمل على تفتيت وانهيار ثقة الأجيال الجديدة، وتبنى شعورهم بأنهم جيل سيئ يجب التخلص منه، وهذا ليس صحيحا بالمرة، فقد كان لدينا حياة ثقافية وسياسية وعلمية ثرية جدا يجب علينا جميعا أن نفتخر بها، وجعلت مصر تعتلى المسرح السياسى والعلمى والثقافى لفترة طويلة، وهذا ما يجب أن تكون عليه مصر دوما لنعتز ونفخر بها دائما. ■ هل قضيت شهر رمضان خارج مصر من قبل؟ - كثيرا جدا، فأنا أعمل بوزارة الخارجية منذ عام 1975، وزوجى أيضا كان سفيرا، وقد كنت برفقته فى عديد من البعثات، وأنا أيضا قمت بعديد من البعثات والتحقت بعديد من السفارات، فقد التحقت بلندن وجنوب إفريقيا وإثيوبيا ورواندا والدنمارك أربع سنوات فى كل دولة، وفى كل هذه الفترات كان يمر علينا رمضان بالطبع وأؤكد أنه كان مختلفا تماما، وبما أننا نمثل مصر فكنا نحرص على نقل صورة طبق الأصل من رمضان فى مصر إلى هذه البلدان، من خلال المأكولات المصرية مثل الكنافة والقطائف، وكنا نحاول تزيين البيوت بزينة رمضان والفوانيس، بجانب الجلسات الدينية، ولكن يبقى رمضان فى مصر متميزا عن غيره فى جميع دول العالم. ما رؤيتك للمرأة فى البرلمان القادم؟ - نحن نعيش مرحلة انتقالية، وأرى أن الفترة القادمة لن تكون الأفضل كما يجب أن تكون بالنسبة إلى المرأة، ولكنها ستكون ذات أهمية كبيرة، فالبرلمان القادم سوف يكون منوطا بوضع التشريعات الداعمة للمرأة وحقوقها الواردة فى الدستور، وهناك أيضا أهمية أخرى، فأنا ألاحظ الإقبال الهائل من السيدات على المشاركة فى الانتخابات فى الآونة الأخيرة، لذلك آمُل أن لا يقل عدد المقاعد عن عدد السيدات اللائى يرغبن فى المشاركة. ■ أخبرينا عن اختلاف رمضان الإخوان ورمضان السيسى.. - بالنسبة إلىّ، فشهر رمضان شهر من الأشهر الحرام، لا يمكن نسبه إلى أحد، لا يوجد شىء اسمه رمضان الإخوان ورمضان غير الإخوان، ولكن أشعر أننا أسعد فى رمضان الحالى، فمن المؤكد أنه برحيل الإخوان وإزاحتهم عن الحكم شعرنا جميعا بأننا تخلصنا من حمل ثقيل كان مصدرا للبؤس والقلق، لكننا قد بتنا الآن أكثر تقبلا لكل الظروف التى نمر بها، وكلنا على استعداد لتحمل مشكلات الظروف الاقتصادية وتبعياتها، والتحديات التى نواجهها. ■ ما تحليلك للعلاقات الخارجية فى المرحلة الحالية خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى؟ - لست قادرة على الحكم الآن، أحتاج إلى فترة أطول كى أستطيع الحكم، وذلك من خلال الرؤية السياسية الخارجية، ولكنى أرى أن هناك تحركا نشطا، خصوصًا على النطاق الإفريقى منذ توليه الحكم. ■ كيف يمكن القضاء على ظاهرة التحرش؟ - العلاج هو الرجوع إلى الإسلام، حيث يأمرنا بغض البصر وكف الأذى، وأن نتحلى بالأخلاق والقيم المصرية السليمة، التى طالما افتخرنا بها، فقد كان الجميع يشهدون لنا بالأخلاق الحسنة وطيبة المعاملة، والكرم والنظافة، وكل ما هو جميل. ■ ما أصعب المشكلات التى واجهتك خلال عملك بالمجلس القومى للمرأة؟ - ليس هناك مشكلة أصعب من التنافس بين السيدات، فهن يتنافسن منافسة مشوبة بالغيرة، ولا تساعد على تحقيق الأهداف المرجوة بسهولة.. فنحن نفتقر إلى وحدة الصف، فمنظمات المجتمع المدنى تتعمد الانتقاص من المجلس القومى للمرأة، وهو بمثابة المظلة الحكومية أو وزارة المرأة، كما نرى الانتقادات المتبادلة بين المجتمع المدنى والمرأة العاملة، ومحاولتهم انتقاص بعضهم قدر بعض، وهذا يضعف السيدات خصوصًا أننا نملك الأهداف والقضايا نفسها.