اختار البعض تسمية السينما المصرية ب«هوليوود الشرق»، ورغم أنه لقب للتباهى، فإنه سقط فى فخ تشبيه السينما المصرية بنسخة شرقية تقلّد هوليوود الأمريكية. السينما المصرية الأعرق تاريخًا والأكثر إنجازًا فى الشرق الأوسط والوطن العربى والقارة الإفريقية، ورغم أنها تأثَّرت كثيرًا بسينما هوليوود من بين سينمات عالمية أخرى، فإنها تتمتع بأصالة وثراء مصدرهما رصدها للمجتمع المصرى وحكاياته وشخصياته، تستحق السينما المصرية لقب «إيجيوود»، كما تطلق السينما الهندية على نفسها «بوليوود»، وكما تطلق السينما النيجيرية على نفسها «نوليوود». «بوليوود» نجحت فى النمو والانتشار وأقامت قبل أسابيع حفل الأوسكار الهندى فى أمريكا بحضور عدد من كبار نجوم «هوليوود» الذين يعرفون السينما الهندية وأشهر نجومها، والسينما النيجيرية كرَّمتها فرنسا منذ أيام بإطلاق أسبوع خاص للفيلم النيجيرى، ويغزو شاشات «هوليوود» حاليًّا الفيلم النيجيرى Half of a Yellow Sun «نصف شمس صفراء». ربما يبرّر البعض قلّة عدد الأفلام المنتجة بسوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وقد يفيدنا تأمّل تجربة «نوليوود» الإفريقية، التى تنتج ما من 1500 إلى 2000 فيلم سنويًّا، فإنتاج نيجيريا أكثر من هوليوود، رغم أنه بلد يعانى الفقر والفساد وكثرة انقطاع الكهرباء وإرهاب جماعة «بوكو حرام»! نصف شمس صفراء تحاول السينما النيجيرية تطوير نفسها والانتقال من خانة الكم إلى الكيف، وقد استطاعت مؤخرًا من خلال نموذج فيلم Half of a Yellow Sun «نصف شمس صفراء» أن تحقّق هذا الطموح، فعلى الرغم من شهرة الفيلم النيجيرى فى إطار الدول الإفريقية المحيطة بنيجيريا وسوق الكيبل الإنجليزية وبعض الدول الأوروبية، فإنها لم تكن محظوظة فى أمريكا قبل هذا الفيلم الذى توفَّرت له عوامل فنية ودعائية جيّدة ربما يكون أهمها أن بطل الفيلم الممثل النيجيرى الأصل شويتال إيجيفور، الحائز على أوسكار التمثيل هذا العام عن دوره فى فيلم Years a Slave 12 «12 عامًا من العبودية»، وتقوم بدور البطولة أمامه تاندى نيوتن، وهى ممثلة من أصل زيمبابوى، والفيلم هو الإخراج الأول للنيجيرى بى باندال، ويعد الفيلم من أكثر الأفلام النيجيرية تكلفة بميزانية 8 ملايين دولار، وقد استطاع الفيلم بالفعل لفت نظر الأمريكيين إلى سينما مجهولة بالنسبة إليهم. الفيلم مأخوذ عن رواية شهيرة للغاية للكاتبة النيجيرية تشيماندا نجوزو إديشى، ويرصد فترة الحرب الأهلية النيجيرية فى نهاية ستينيات القرن الماضى، وهى الحرب التى قضت على حياة مليون شخص، الفيلم رغم ذلك لا يركِّز على تفاصيل الحرب فقط، بل يبرز من خلال عدد من قصص الحب الرومانسية كيف يمكن أن يتمزّق المجتمع والأسرة والأحبة نتيجة التعصُّب والعنف. كثير من الإنتاج.. كثير من القرصنة «نوليوود» سينما تجارية ترفيهية مدهشة بمقاييس غزارة الإنتاج ونسبة المشاهدة، تنتج نيجيريا ما بين 1500 و2000 فيلم كل عام، وهو تقريبًا ضعف ما تنتجه هوليوود سنويًّا، ويقل عما تنتجه السينما الهندية بنحو مئة فيلم أو أكثر قليلاً، وتعود شهرة هذه السينما إلى أن موضوعاتها المحلية جذابة للجمهور الإفريقى أكثر من السينما الأمريكية والهندية. هناك عدد قليل من الأفلام الجيدة المستوى تحمل أفكارًا ذات قيمة، بعض هذه الأفلام يتعامل مع قضايا أخلاقية ودينية تتعلَّق بالديانة المسيحية أو الإسلامية، ومن المعروف أن نيجيريا بها طائفة تمزج بين الصلوات المسيحية والإسلامية فى ديانة تدعى «كريسلام» تحاول توحيد الديانتين للعيش فى سلام بعيدًا عن التعصُّب والحروب، ورصدت عدة أفلام الجدل فى علاقة المسلم بالمسيحى، وناقش فيلم «بوكو حرام» قضية التطرُّف الدينى والعنف. وتحقق صناعة الفيلم النيجيرى 250 مليون دولار سنويًّا ويعمل بها الآلاف من الفنيين والعمال والفنانين، يعانى المنتجون فى نيجيريا من قرصنة أفلامهم، وأغلب القرصنة تتم من خلال شركات التوزيع نفسها، وقد أغضب هذا مجموعة منهم، وقرر أكبر 4 منتجين الذهاب إلى حيث تتم فيه عمليات النسخ غير الشرعى للأفلام، لكنهم تعرضوا لإطلاق نار وفروا هاربين، ولاحقًا قام المنتجون بإنشاء شركات التوزيع الخاصة بهم. سحر وخرافات البدايات الأولى تعود البدايات الأولى المهمة للسينما النيجيرية إلى الستينيات مع الرواد الأوائل لهذه السينما، مثل أولا بالوجن وهوبرت أوجندى، لم يكن الإنتاج منتظمًا أو غزيرًا إلى أن حدثت طفرة مع ظهور أجهزة وتقنيات طبع الأفلام على شرائط الفيديو مع إمكانية مشاهدتها فى أى منزل يمتلك صاحبه جهاز فيديو، وفى بداية التسعينيات تضاعف توزيع الفيلم النيجيرى الذى كان يصوّر مباشرة لشرائط الفيديو، ويعد فيلم Living in Bondage «حياة العبودية»، وهو من نوعية الرعب والإثارة، من أهم الأفلام التى مثَّلت نقلة للسينما النيجيرية، حيث حقَّق أرقام توزيع كبيرة، وهو يمثِّل بداية عصر صناعة الفيديو فى نيجيريا، وعناصر هذا الفيلم تجمع بين السحر وعالم الأشباح، ومثَّلت عامل جذب للمشاهدين، وتناولت قصته حكاية زوج ينضم إلى جماعة سرية تَعِده بالثراء وتكون تذكرة قبول انضمامه إلى الجماعة قتل زوجته كقربان والحصول على جائزة مالية ضخمة، وبعد قيامه بهذه التضحية وحصوله على الثروة يعود إليه شبح زوجته للانتقام. التصوير فى الظلام بسبب غياب الأمن وانتشار الجريمة والحروب أحيانًا، يخشى المواطن فى كثير من الدول الإفريقية السير فى الطرقات بعد أن يحل المساء، لهذا أصبحت قاعات العرض السينمائى فى هذه الدول قليلة العدد والجمهور، فى هذه الأجواء كان ظهور شريط الفيديو فى فترة الثمانينيات والتسعينيات معجزة وحلا سحريًّا لمشكلات السينما، وقد استغل المنتجون فى نيجيريا المشهورة بإنتاج أفلام منخفضة التكاليف هذا الأمر من أجل زيادة توزيع الفيلم النيجيرى داخل وخارج نيجيريا، وفى خلال سنوات قليلة حقَّقت نيجيريا مفاجأة، إذ أصبحت، حسب تصنيف «اليونسكو»، تحتل المركز الثانى على مستوى العالم من حيث عدد الأفلام المنتجة سنويًّا. تحكى رنا فورهار مراسلة مجلة «تايم» للشؤون الاقتصادية، التى زارت نيجيريا بعد حادثة اختطاف الفتيات النيجيريات من قبل جماعة «بوكو حرام»، على لسان مخرج نيجيرى، معاناته فى فيلمه الأخير مع انقطاع الكهرباء، وهو أمر يعانى منه الفقراء والأثرياء فى نيجيريا، نتيجة عدم قدرة الحكومة على تطوير شبكة الكهرباء القديمة المتهالكة، يستعين المخرج بمولد طاقة يعمل بالبنزين، لكن المولد يتلف ويضطر لشراء آخر جديد، ولا تمر أيام حتى تتم سرقته، ويضطر للاستعانة برجال الشرطة المحلية، ولأن الشرطة لا تهتم عادة ببلاغات السرقة إذا اتّبع المواطن الإجراءات الرسمية يقوم المخرج برشوتهم، ليقوموا بمجهود حقيقى لاستعادة مولد الطاقة باهظ الثمن! كيف تصنع فيلمًا فى 3 أيام؟ حقَّقت نيجيريا هذه المعجزة فى صناعة السينما دون استوديوهات أو إمكانيات ضخمة كتلك التى تعتمد عليها السينما الأمريكية والهندية، اتخذ السينمائى النيجيرى من الشوارع والمنازل الخاصة والفنادق والأماكن العامة استوديو مفتوحًا ومتاحًا طوال الوقت، واتخذ من شريط الفيديو وأسطوانة ال«دى فى دى» وقنوات الكيبل قاعة عرض. متوسط ميزانية إنتاج الفيلم النيجيرى الواحد 15 ألف دولار، وتنخفض هذه الميزانية إلى النصف إذا كان إنتاج الفيلم موجَّهًا للفيديو، ومتوسط زمن تصويره أسبوعان، أحد أشهر مخرجى نيجيريا من حيث كم الأفلام هو شيكو إيجيرو، أخرج وحده 80 فيلمًا فى 8 سنوات، وهو يتباهى أنه استطاع إخراج بعض أفلامه فى ثلاثة أيام فقط! انتقلت شهرة الفيلم النيجيرى من المحلية إلى الدول الإفريقية المجاورة التى أصبحت تفضِّل الفيلم النيجيرى عن الفيلم الأمريكى الغريب ثقافيًّا، ولم تتوقف السينما النيجيرية عند هذا الحد، فقد استطاعت بطبيعة موضوعاتها المتنوعة ومواكبتها لصناعة الفيلم الحديث لفت نظر أوروبا إليها، فى إنجلترا تحتل قناة Nollywood Movies، وهى قناة خاصة متخصصة فى عرض الأفلام النيجيرية، مكانًا مهمًّا ضمن باقة «سكاى الإنجليزية»، إذ تعرض على مدار 24 ساعة الأفلام النيجيرية من مختلف أنواع الدراما، وتقدِّم القناة لمشتركيها 30 فيلمًا نيجيريًّا حديثى الإنتاج كل شهر، وتنطق أغلب الأفلام النيجيرية باللغة الإنجليزية، وعدد قليل منها بلغات محلية أخرى.