بمناسبة مرور 50 عاما على صدور رواية "بيرة في نادي البلياردو" أعادت دار الشروق نشر الرواية الوحيدة لكاتبها وجيه غالي، ومترجميها إيمان مرسال، وريم الريّس، اللذين بذلا جهدًا واضحًا في ترجمة هذا العمل، ليبدو النص وكأن العربية هي لغته الأصلية. هناك رواية أخرى قبل قراءة النص ستقابلك، وهي قصة حياة الكاتب وجيه الغالي، سيرته الذاتية التي تسربت بشكل كبير إلى الرواية. وجيه غالي توفى والده، وكانت أمه أفقر أخواتها، إلا أنه عاش حياة الأثرياء مع خالاته، والتحق بكلية الطب ولم يكمل دراسته بها، ثم عمل بالصحافة، وسافر إلى إسرائيل، وكتب عدة تحقيقات صحفية بجريدة SunDay Times عن رحلته هذه، ثم انتحر بعد كتابة روايته الوحيدة عام 1969، تاركا ورقة مكتوب عليها "انتحاري هو الفعل الوحيد الحقيقي في حياتي". الرواية مكتوبة بشكل طفولي، ولغة سهلة، السمة الأساسية للرواية هي السلاسة، بدءً من عنوان الرواية "بيرة في نادي البلياردو"، الذي يشير إلى بطل الرواية "رام"، وقضاء وقته في أغلب أحداث الرواية شاربا البيرة بنادي البلياردو، الذي يعمل فيه صديقة "فونت". رام بطل الرواية، وراويها، يكشف عن حياة الأثرياء، ومنهم عائلته، بعد ثورة 52، وكيف أن ثورة يوليو لم تغير من نمط حياتهم، وإن كانت حدت من أملاكهم، وأرضيهم، فإنهم مازالوا يقضون سهراتهم بالأندية الخاصة بالأرستقراطيين فقط، والفنادق الأقرب للشكل الأوروبي، ولكن ما تغيّر فقط انضمام ضباط الجيش إلى هذه الطبقة، بدلاً من المساواة بين فئات الشعب التي كان يتحدث عنها عبد الناصر بعد ثورة يوليو. ينتقل البطل رام القبطي بين القاهرة ولندن، بالضبط كما فعل وجيه غالي في أوائل الستينات، وبين هذا الانتقال، تستمر علاقته بالفتاة اليهودية إدنا، العلاقة الغريبة التي تكشف طوال الوقت عن جوانب من شخصية رام، دون أن يتأثر بها البطل بشكل كامل، حتى افتراقهم الذي يأتي دون اكتئاب. حرب السويس، هي السبب دائما في تصاعد الحوار بين رام وصديقه فونت. حرب السويس، واحتلال القوات الإنجليزية مصر، ففي جزء من الرواية يقول فونت لرام "أنت؟ أنت بقيت في إنجلترا بينما كان الإنجليز يقصفون بورسعيد"، فيرد رام "كان لعودتك أنت فائدةً كبيرةً. يحيى كان في إجازة في باريس. هو أيضًا لم يرجع. لماذا لا تزدريه كما تفعل معي؟". رام الذي لا يعمل، ويعشق السهر وشرب الخمر والنساء فقط، ويعتمد على أموال أصدقائه وأقاربه يرى أن التأميم لا فائدة من ورائه، سوى إثراء الجيش، وهو يكره هذا، ويعتبر أن تخصيص ثلث الناتج القومي للجيش لمحاربة إسرائيل حماقة، فهو يؤيد السلام مع اليهود الذين تعرضوا لكثير من الظلم. يكتب وجيه غالي روايته دون تحيز مطلق لأي فكرة أو توجه سياسي، دون امتلاك للحقيقة المطلقة، لديه أسباب مختلفة لكل شئ، ومنها انتمائه للحزب الشيوعي، فعندما تسأله إدنا عن سبب انضمامه للحزب، يقول لها "انضممت إليه لأنني لم أدر ماذا أفعل بما لدي من معرفة، أعني هذه المعرفة بالتاريخ والسياسة والأدب التي كان يجب أن توجّه نحو شئ أو آخر حتى لا أفقد عقلي". يبدو على الكاتب إلمامه بحياة المصريين وتفاصيل حياتهم، هو ليس مجرد مصري هاجر إلى إنجلترا كاره لبلد لم يجد فيه مستقبل، فبطل روايته رام يقول لصديقته إدنا "أتعرفين يا إدنا، أنت لست مصرية. ليس لأنك متزوجة من إسرائيلي وليس لأنك يهودية، أنت فقط لست مصرية. وسأقول لكِ لماذا. هل تذكرين عندما قلت لي مرةً إنني لست مصريًا لأنني أنتمى إلى النخبة، إلخ؟ ولكنني مصريّ. مثل جميل ويحيى، أنا مصري حقيقي. عندي حِس الفكاهة المصرية، ومع أن مصريتي قد أضعفتها إقامتي في إنجلترا والكتب التي قرأتها، فإنني مازلت لدي الشخصية المصرية. أما أنتِ فلا. ليس لديك حس الفكاهة يا إدنا. لو لم يكن لدينا هذا الحس، لكنا متنا جميعًا منذ زمن طويل".