قالوا لنا إن مصر قد خسرت الموسم السياحى الشتوى بالكامل!، ولم يفارقنى الاحساس بالسخرية الشديدة من الذين «بشرونا» بهذا التصريح الذى يبدو وكأنه مفاجأة لهم بعد موسم سياحى «صيفى» مزدهر!، وقبل صدور التصريح الخاص بخسارة الموسم الشتوى بالكامل، كان هؤلاء يروجون لفكرة أنهم نجحوا فى طمأنة السائحين بأن مصر كما اعتادوا وصفها ببلد الأمن والأمان!، والحقيقة الدامغة تفيدنا بأننا فى خسارة مستمرة لسياحتنا صيفا وشتاءً منذ اندلعت ثورة 25 يناير 2011! فقد انشغلنا جميعا منذ قيام الثورة بإعداد ولائم من المخاطر والمتاعب لأى سائح فقد عقله فأتى إلينا بحسن نية ليغرق فى ولائم المخاطر والمتاعب التى جعلت معظم الناس يلزمون بيوتهم خشية مما يمكن لهم التعرض له من تعذر الحركة راكبين أو ماشين إلى اصابة عشوائية قد تذهب بالحياة ذاتها!، وقد شهدت «السياحة الداخلية» وقفا للحال جعل الذين يستثمرون ويعملون فى هذه الصناعة يفكرون جديا فى البحث عن نشاط آخر! ولم تفلح الصور الفيلمية الملونة التى تعرضها شاشات التليفزيون الحكومى فى اقناع أحد بأن المناطق الخلابة التى صورت فى «زمن السلم» مازالت تنتظر زبائنها من الداخل والخارج!، وفضلا عن صعوبة الذهاب الى هذه الأماكن من زبائن سياحة الداخل والخارج فإننا نشطنا نشاطا ملحوظا فى سد الطرق المؤدية إليها ووسائل المواصلات المتجهة إليها لأن كل طريق أصبح قطعه ممكنا سواء بالنوم على قضبان القطارات، وحتى تعطيل المترو الذى جاءتنا البشرى بأن كبار رجال الأمن قد نجحوا فى مفاوضاتهم فى اقناع «الثائرين» الذين ظنوا أن تعطيل المترو سيؤدى مباشرة الى سحب الإعلان الدستورى المكمل وإيقاف عمل اللجنة التأسيسية التى وضعت الدستور وحتى الاستفتاء على الدستور نفسه!، وأتذكر صورة كانت من مفاخرنا الملونة لميدان التحرير والمبانى المختلفة المطلة على الميدان والنيل، وكانت هذه المفخرة وحدها تقنع السياح الخواجات بأن التنزه فى الميدان فى النهار ساطع الشمس، والجنبات المتلألئة ليلا تسمح وتغرى بالسهر! فاستخسرنا فى أنفسنا هذا الميدان لنتحول به إلى «زريبة» تعج بالنيام فى خيام ممزقة لا تراها إلا فى مصر! فلما امتنع الخواجات عن المجىء لم تجد إعلانات الفنادق والمجال السياحى غير مناشدة المصريين فى الداخل أن يخرجوا للسياحة الداخلية بعد أن ظلوا زمنا طويلا يحتقرون المصرى إذا اقترب من فنادقهم ومحالهم، وادخار الأمان والغرف فى الفنادق لحساب السياح الخواجات الذين يدفعون ولا يعتدون على فخامة هذه الأماكن! ولابد لى أن أترحم والعام الحالى يغادرنا على إعلانات المحال والأندية الليلية بالفنادق التى كانت تملأ الصحف داعية بعض المصريين «فوق العادة» لقضاء سهرات الكريسماس ورأس السنة فيها، وتناول العشاء الذى يشيرون فى الاعلانات إلى أنه قد جرى «طبخه» بمعرفة الشيف فلان الفلانى، وبمعرفة المترودويتل «علان العلانى»!، لكن المصريين «فوق العادة» و«تحت العادة» اكتشفوا بعد وقوع الثورة أن السهر فى البيوت أحلى، وأن العشاء مع العيال وبعض الأقارب والمعارف أشهى! وأن تقبيل بعضهم البعض عند منتصف الليل سيظل جميلا لن تنساه الزوجات والعيال! وإذا كان كل ذلك هو الذى نعيشه منذ الثورة، وكلما أتى علينا رأس السنة وجدنا فى البيوت لغم الخنادق، حتى لو ظل التليفزيون يستعبدنا بأخبار وثرثرات النكد الذى لا يبشر بأى انفراجة مرتقبة! وإذا كان هذا هو حالنا فما معنى الحديث عن الموسم الشتائى السياحى الذى خسرناه، أو السياحة الداخلية التى يهيبون بنا أن نقوم بها فى شبه حالة من التسول من أناس لم يعد لديهم ما يعينهم على الحياة فى البيوت! ولعلنا نتخلص قريبا من عصبية الساسة وثوار الشوارع لنهدأ قليلا ولا أقول «نسيح نشر بتاريخ 31/12/2012 العدد0629