القارئ العزيز.. معذرة إذا كان كلامى يزيد من أوجاعك ويرفع ضغطك ويزيد من نسبة السكر فى دمك!.. أنا عارف أنك «مش ناقص» وكل واحد فيه «اللى يكفيه»، وأنا مثلك أعانى من ارتفاع ضغط الدم.. وأتعاطى الدواء كل صباح! ولكن ما باليد حيلة.. قدر ومكتوب.. قدر أن نخرج من هم لندخل فى هم جديد. ثمانية عشر يوما فقط عشناها ولا فى الأحلام! ثمانية عشر يوما من 25 يناير إلى 11 فبراير كنا جميعا نهتف هتافاً واحداً.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. ويظلنا علم واحد هو علم مصر.. عشنا تلك الأيام الجميلة وكنا نظن أنها ستدوم.. أو كنا نمنى النفس أن تدوم! وأن تأخذ الشعارات التى رفعناها طريقها إلى حيز التنفيذ! ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه! رويداً رويداً بدأنا نكتشف أن الأحلام والشعارات شىء والتطبيق على أرض الواقع شىء آخر! ورويداً رويداً بدأنا نكتشف أن أحلامنا كانت مجرد أضغاث أحلام! وعلى طريقة الخطوة خطوة بدأ البعض ممن لم يكونوا فى الصورة يركبون الثورة! لتتحقق المقولة الشهيرة إن البعض يصنعون الثورة ويجنى البعض الآخر ثمارها! وتوالت الخطوات.. اكتشف الذين قاموا بالثورة أن البعض يقول لهم أنتم لا علاقة لكم بها ولا دور لكم فيها! هذا الاكتشاف العجيب جاء على لسان بعض المشاركين فيما سمى بجمعة الشريعة.. لسان حال الشباب الذين قاموا بالثورة ودماء الشهداء منهم ترد.. طيب يا جماعة من إذن قام بالثورة! يرد أصحاب الفتوى.. من فجرها وقام بها الشيوخ الأجلاء حسن البنا وعبدالحميد كشك والدكتور عمر عبدالرحمن! بذمتك أنت وهو وهى هذا الكلام يرفع الضغط ويزيد من معدل السكر فى الدم أم لا! لم يكتف المشاركون فى جمعة الشريعة بذلك فرفعوا أعلام السعودية ورايات القاعدة وغيروا وبدلوا بعض كلمات شعار الثورة الذى كان يردده جموع المصريين.. عيش حرية.. عدالة اجتماعية.. فوضعوا كلمة إسلامية بدلاً من عدالة اجتماعية وكأن الكلمة الأخيرة من كلمات الشرك والعياذ بالله أو كأن كلمة عدالة اجتماعية تتنافى مع مبادئ الإسلام وشريعته السمحة!.. بعدها بأيام خرج علينا واحد عائد من كهوف أفغانستان ليقول لنا إن الأهرامات وأبوالهول أصنام وأنه يجب إزالتها! يا الله يا مثبت العقول ثبت عقولنا على دينك.. ولا تجعل الدماء تغلى فى عروقنا أكثر من اللازم فنموت كمداً وغيظاً يارب أنا واحد ممن ولدوا بالقرب من الأهرامات وأبوالهول وتربيت وكبرت وأنا أراهم أمامى طوال النهار والليل.. وكنت فى صلاتى لا أولى وجهى قبل الأهرامات وأبوالهول.. وإنما كنت أولى وجهى قبل المسجد الحرام كما أمرنى ربى فى قرآنه الكريم! وكذلك كان يفعل والدى ومن قبلهم أجدادي! وعندما دخل عمرو بن العاص مصر فاتحاً لها لينشر الإسلام بها كانت تلك الآثار الخالدة موجودة فلماذا لم يهدمها! فهل يارب هذا العائد من الكهوف أعلم بشئون دينك من عمرو بن العاص وأكثر غيرة عليه منه! معذرة عزيزى وصديقى القارئ إذا تسبب كلامى فى غليان الدم فى عروقك وكنت سببا فى رفع ضغطك وزيادة نسبة السكر فى دمك! ولكن وكما قلت ما باليد حيلة! هذا قدر ومكتوب علينا.. وخطى كتبت علينا أن نمشيها ليت الأمر توقف عند الذين يفتون فيما لا يعلمون! أو فى الذين يخاطبوننا وكأننا من كفار قريش! أو كأننا لا نعلم من شئون ديننا شيء ولا نؤدى الفروض والنوافل ولا نقرأ القرآن ونتدبر آياته! يتحدثون إلينا وكأن الله عز وجل قد منحهم وحدهم حق الحديث باسمه وفرض وصياتهم علينا! وكأن كل من يخالفهم فى رأيهم خارج عن شرع الله.. ليت الأمر توقف عند الذين أدعوا أن فلانا وفلان وفلان هم من قاموا بثورة 25 يناير1 وليت الأمر توقف عند الذى يفتى بغير علم بأن الأهرامات وأبوالهول أصنام! ولكن أن تصل الأمور إلى الدستور الذى سيحكم شئون حياتنا لسنوات قادمة فلابد من وقفة وغضبة لأن دستور أى بلد لا تضعه جماعة ولا يقر بنوده فصيل سياسى واحد! الدستور يخص كل فئات الشعب من فلاحين وعمال ومثقفين وكما يخص المسلم فإنه يخص أصحاب الديانات السماوية الأخرى! فكل يوم نسمع عن مسودة! وكل مسودة تتسرب إلينا نرى بها كل العجائب! ومصيبة سودا وأسود من قرن الخروب لو اعترض بعض أعضاء الجمعية التى تضع الدستور على بعض بنود هذه المسودات! وكأن المفروض والمطلوب من هؤلاء الأعضاء أن يقولوا آمين! وكأن المطلوب من هؤلاء الأعضاء أن يقولوا الكلمة الخالدة التى كان يرددها أعضاء مجلس الشعب قبل الثورة «موافقون» والانتقال الى باقى البنود.. ثار الشعب من أجل تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. ولكن للأسف لم يتحقق بند أو شعار واحد! ثار الشعب لوضع دستور يعبر عن طموحاته ويبنى مستقبله! ولم يتحقق شىء! كل ما هنالك أن أمراض الضغط والسكر زادت معدلاتها عند المصريين وأضيف إليهم مؤخراً الدستور!! ومنه لله اللى كان السبب!! نشر بالعدد 623 بتاريخ 19/11/2012