لم تكن أغنية المطرب على الحجار «انتو شعب واحنا شعب»، مجرد أغنية احدثت ردود افعال قوية، ولكن تكمن اهميتها فى انها خلقت حالة من التمرد على شكل الاغنية الكلاسيكى من حيث الموضوع والفكرة التى كشفت عن ارضية جديدة وقماشة مختلفة كثيرا ما نادى بها اغلب المهتمين بالموسيقى والغناء. فلماذا لا يذهب الشعراء إلى تلك المناطق طالما ان الزمان والمكان والاجواء بصفة عامة مهيأة لهذا حيث كانت كثير من الاغانى التى ترصد حالة وطن دائما ترتبط بالتعبير عن حب هذا الوطن دون الخوض فى القضايا التفصيلية، بينما كانت الأغنية بصفة عامة، تختزل فى عمومها بالكلام عن الحبيب أو الحبيبة والهجر والعتاب واللقا والفراق والوداع أو الغزل. طرحنا السؤال على صاحب الاغنية الفنان على الحجار وقال « لا اريد ان ادعى بطولة، لكننى عندما استمعت للكلمات من الصديق مدحت العدل شعرت انها ترصد حالة وقضية وواقعا نعيشه، وربما هذا سبب نجاح الاغنية والذى هو نفس سبب الهجوم عليها. لان الاخوان ومن هم على شاكلتهم شعروا ان الاغنية لمست واقعا نعيشه ومن هنا سببت لهم وجعا وألما. وهذا هو دور الفن، وهنا اتذكر فيلمين غيرا بعض القوانين.الاول «جعلونى مجرما» بطولة فريد شوقى الذى غير قانون السابقة الاولى، والثانى«اريد حلا» بطولة فاتن حمامة الذى غير قانون الاحوال الشخصية وفى حالة اغنيتى هم الذين صنعوا حالة الانقسام وليس مؤلفها. واضاف الحجار: يحسب لمدحت العدل انه ذهب بالفعل بالاغنية إلى فكرة ومفردات جديدة، لكن هذا لا يعنى اننا سوف نستغنى عن الغناء العاطفى، والمطلوب من أى فنان ان يناقش قضايا وطنه بشكل مختلف، واحيانا اقول لنفسى «فيها ايه لو تخليت عن مفاهيمك واختزلت فنك فى الاغانى العاطفية» وتأتينى الاجابة سريعا.. صعب على ان افعل هذا لأن تكوينى لا يجعلنى انفصل عن الواقع الذى يعيشه وطنى. الموسيقار صلاح الشرنوبى يرى ان الاغنية لها اهداف ومن ابرزها رصد الواقع واستنكار أى سلبيات فى المجتمع.. وانا شديد الاعجاب بمشوار على الحجار تحديدا لأنه ملئ بهذه التجارب. كل فترة يفاجئنا بعمل يصيبنا بالدهشة، ومع الثورة المصرية بدأت سلسلة اغان مع فاروق الشرنوبى وعبدالرحمن الابنودى ومنها «ضحكة المساجين» و « مسلم ومسيحى»، ثم اغنيته التى نحن بصدد تحليلها الان والتى بالفعل تحمل معانى التمرد على الشكل التقليدى، لأنها تحاكى واقعا مؤلما عشناه، البلد كانت فى حالة ضياع وبالتالى كان لابد ان يواجه الغناء تلك الحالة بنمط غنائى غير موجود. واتمنى ان يسير كبار مطربينا على نفس النهج، منير مثلا فى بداية الثورة طرح اغنية «ازاى» وكانت حالة عتاب للبلد، لكنه لم يكمل المشوار، وهناك اخرون رؤيتهم غير واضحة واخرون اختزلوا الغناء الوطنى فى شكله التقليدى، وانا ايضا سعيد بأغنية «تسلم الايادى» لسبب بسيط انها رصدت فرحة الناس رغم ما قيل عنها من انها تشبه أو لا تشبه اغنية معينة، لكنها فى النهاية حققت المقصود منها. الشاعر الغنائى عزت الجندى يرى ان الاغنية تخاطب الشعب مباشرة على عكس كل الاغانى الوطنية التى دائما تحاكى القائد والزعيم أو الرئيس، لذلك تبدو فيها حالة التمرد وهذا ذكاء مدحت العدل، واتصور كونه واحدا من كتاب الدراما والسينما إلى جانب كونه شاعرا، كل هذا انصهر فى بوتقة واحدة فظهرت تلك الحالة الجميلة. واشار الجندى إلى ان السر فى تكرار الافكار والمعانى طوال السنوات الماضية، هو ان السلطة كانت تعتمد على نفس الشعراء الذين وضعوا انفسهم فى اطار لهجة اهل القاهرة، وهو امر لا يستقيم مع دولة بحجم مصر، حيث تجاهلوا عمق الدولة من القاهرة لأسوان... على النقيض من الاراء السابقة يرى الناقد الموسيقى دكتور زين نصار ان الجرأة مطلوبة من الفنان لكن عليه ان يستخدمها فيما يدعو الناس للتوحد وليس للفرقة هذا من حيث الفكرة، وهناك اعمال كثيرة قدمها مأمون وكامل الشناوى فى عصرهما كانت تحمل افكارا جديدة، وعلى الفنان سواء مؤلف أو ملحن أو مغنى مرعاة مصلحة الوطن العليا عندما يفكر فى صنع اغنية، وانا اعتراضى فى هذا العمل تحديدا على الكلمات. واشار زين إلى ان اغنية تسلم الايادى استقبلها الناس بفرحة لانها لمست شيئا بداخلهم، وفى نفس الوقت استقبلها انصار مرسى باعتراض شديد.. ويشير زين إلى ان الناس فى 25 يناير استدعوا الاغانى القديمة لأم كلثوم وشادية وعبدالحليم حافظ فى الميدان بشكل تلقائى، لأنهم وجدوا فيها تعبيرا حقيقيا عنهم دون اللجوء للخطب، وهذا يعكس تأثير هذه الاغانى فيهم خاصة انهم استدعوها دون تفكير.