سئل وزير الخارجية السورى عن المطالب الأوروبية للنظام السورى بالتوقف عن قمع المتظاهرين فرد فى مؤتمر صحفى أمس بقوله «سنعتبر أن أوروبا ليست موجودة على الخريطة» هكذا قالها بكل فخر وخيلاء. وحين سئل عن الاستعانة بإيران وحزب الله فى قمع الثوار وسحلهم نفى نفيا قاطعا وجود أى دور للحزب أو لطهران فى هذه المسألة أيضا، وكأنه يفخر هذه المرة بأن السحل والقمع والبطش والوحشية هو فخر الصناعة المحلية ويمارسه النظام السورى بمجهوده الخاص دون الاستعانة بأى مكون أجنبى فى إنتاج آلة الوحشة السورية. وأظن أن تلك العقلية هى الحاكمة فى كل الثورات العربية، إذ يتصور الطغاة العرب أنهم أكبر من العالم، وأقوى من الكون كله، وإذا لفت أحد نظرهم إلى أن هناك قوى ودولا تدلى بدلوها فيما يخص الوضع الداخلى، يلجأون إلى الحل الأسهل وهو اعتبار العالم غير موجود. والحاصل أنه فى سوريا كما فى تونس ومصر وليبيا يتعامل الحكام الذين يثور الشعب ضدهم على اعتبار أن هذه الثورات هى مؤامرة عالمية امبريالية استعمارية كبرى، ومن ثم يكون الهروب من مواجهة مفردات الواقع إلى اختراع أو اختلاق سيناريوهات كذوب عن أصابع خارجية وأجهزة أجنبية تعبث بالشئون الداخلية للدول الثائرة. وإذا كان هذا الخطاب المفرط فى السذاجة مفهوما أثناء اشتعال هذه الانتفاضات الشعبية، فإن غير المفهوم أن يستمر هذا الفهم الأعور بعد أن تؤتى الثورات أكلها وتلقى بمن قامت ضدهم فى غياهب التاريخ. ومن هنا يصبح من صور العجب العجاب أن يتلقف بعض أرامل النظام الساقط فى مصر حدوتة الجاسوس الإسرائيلى ليواصلوا من خلالها اجترار الحديث الخائب والساقط عن أدوار لجهات أجنبية فى صناعة الثورة المصرية، عن طريق استدعاء الروايات التافهة عن الأجندات والمعونات والتمويل والاختراق لصفوف الثائرين فى ميدان التحرير. وتنشط هذه الأيام فى بعض الصحف الحكومية كتابات مثيرة للأسى والقرف أحيانا من أقلام صدئة وجدت ضالتها فى سيناريو الجاسوس لكى تعيد المحاولة وتبحث عن نقاط سوداء فى الصفحات الناصعة البياض التى سطرها المصريون بثورتهم الباسلة. بل أن نعيق بعض الأقلام بلغ حد المطالبة بإعادة فحص مشاهد ميدان التحرير طوال أيام الثورة للوقوف على آثار الأصابع الأجنبية فيها، ولا يستبعد إطلاقا أن يذهب أحدهم إلى اعتبار كل صاحب بشرة بيضاء أو عيون زرقاء من تلك الأيادى الأجنبية التى اخترقت صفوف الثوار. غير أن أكثر ما يلفت النظر أن هؤلاء المؤلفة قلوبهم أو الذين اضطروا لممالأة الثورة ونفاقها وتملقها فى فورة نجاحها بعد خلع مبارك، يكشفون عن وجوههم الآن ويخرجون بعض المخبوء فى صدورهم من غل وكره لهذه الثورة، ولولا بقية من خجل أو جبن لاعتبروا أن الثورة كأن لم تكن، أو أن ميدان تحرير غير موجود فى جغرافية مصر، على طريقة وزير الخارجية السورى وليد المعلم الذى قرر أن يعتبر أن أوروبا ليست موجودة على خارطة العالم، أو أن مياه الأطلسى ابتلعتها فى غمضة عين.