لم يتوقع السيد أيمن أن الحى الذى اختاره مقرا لسكنه سيصبح الحى المفضل لدى اللاجئين بل مقرا للمفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. قبل 15 عاما انتقل وأسرته للعيش فى مدينة السادس من أكتوبر ليكون قريبا من عمله، ويبدو أن المدينة راقت للنازحين من بلدان تعانى حروبا أهلية أو احتلالا لتصبح المدينة «كوكتيلا عرقيا» قوامه الفلسطينيون والعراقيون والصوماليون واليمنيون، إلى جانب المصريين أو «سكان المدينة الأصليين» على حد تعبير أيمن مدير المبيعات بأحد مصانع الملابس بالمدينة. «أشعر بأننى أعيش فى شارع جامعة الدول العربية خلال فصل الصيف، فالسادس من أكتوبر أصبحت مدينة جميع الجنسيات، ولم يعد من المنطقى أن نطلق عليها المدينةالجديدة بعد الآن وربما من الأفضل تسميتها مدينة العرب»، قالها مازحا ومشيرا إلى أن هناك من فهم طبيعة النقطة فأقام أكبر مول فى الشرق الأوسط على مشارف المدينة وأطلق عليه «مول العرب». يعتقد أيمن أن الهجمة العراقية على الحى كانت الأكبر والأكثر شراسة على حد وصفه، مضيفا أنها بدأت فى الزوال، خصوصا بعد سفر الكثير من العراقيين لبلادهم أو لدول أوروبية، فالحى السابع الذى يعيش فيه كان يضج بالعراقيين قبل عامين فقط أما الآن فالعدد أصبح أقل بشكل واضح، مما أعاد الحى لسابق عهده إذ تسكنه العائلات المصرية وعدد من الطلبة. يذكر أن عدد اللاجئين المسجلين فى مصر وفق مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة حوالى 40000 لاجئ يمثل العراقيون 17% منهم والصوماليون 17% أيضا، فيما يحتل السودانيون نسبة 57% وفق آخر تقرير للمفوضية والصادر فى نوفمبر 2010، وكانت المفوضية قد نقلت مقرها من حى المهندسين إلى مدينة السادس من أكتوبر بالحى السابع قبل ثلاث سنوات. هناك تضارب كبير بين أعداد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية والأعداد الحقيقة للاجئين فى مصر، «خطوة التسجيل ليست إجبارية بل يلجأ لها الشخص الذى عجز عن تدبير أموره»، وفق تفسير أبومحمد العراقى الذى يعيش بالمدينة قبل نحو خمس سنوات ولم يسجل اسمه فى المفوضية مؤكدا أن عدد العراقيين فى مدينة السادس من أكتوبر وحدها يفوق الرقم الذى ذكرته المفوضية عشرات المرات. «سفيان» الشاب العراقى الذى لم يتعد الخامسة والعشرين اختار المدينة ذاتها قبل نحو ثلاث سنوات، فهو يعمل فى مخبز «أبناء العراق» بالحى السابع بعد عامين قضاهما بمنطقة المهندسين. «سفيان» اسم يبدو قاسيا على شاب مثله فى بداية العشرينيات، ترك بغداد بعد الحرب هاربا من ويلات الرصاص الذى يتساقط على البيوت بلا رحمة. لم يعد سفيان إلى بغداد منذ أن تركها، ولكنه يتابع الأخبار هنا من المخبز الذى يعمل فيه من خلال شريط الأخبار أو العائدين من جحيم العراق. «هنا أشعر برائحة العراق، فى الخبز، فى الجيران، فى اللكنة العراقية التى تحيطنى طوال الوقت سواء من الزبائن أو زملاء العمل، نحن جزء من العراق نعيش على ذكريات الوطن وخبز يحمل مذاقه». هكذا شرح الشاب العراقى سر بقائه فى السادس من أكتوبر. «أعطنى خبز اليوم واختره بعناية، بالأمس غضبت أمى من الخبز البارد تريده خارجا للتو من الفرن» قالها طفل صغير قدم من مدرسته للعامل المنوط ببيع أكياس خبز «التنور» النوع الثانى الذى ينتجه المخبز المعبأة مسبقا والمتراصة على طاولة صغيرة بجوار فرن آخر مختلف تماما عن الفرن الذى يديره سفيان. «أعيش فى 6 أكتوبر منذ ست سنوات، لم أفكر كثيرا فى المكان الذى أنتقل له ولكننى فعلت كما فعل أخى وجئت هنا حيث الهدوء وهذا ما كنت أبحث عنه بعد أن كانت أصوات القنابل والرصاص تطن فى آذاننا».هكذا بررت أم الحسن إقامتها بالحى السابع بمدينة السادس من أكتوبر مشيرة إلى أنها تركت العراق بعد مقتل زوجها أمام منزلها. وأضافت: «لدى ثلاثة أبناء، هربت بهم من العراق بحثا عن الأمان والمستقبل وهذا المستقبل لن يكون جيدا بغير تعليم يضمن لهم حياة كريمة وهو ما وجدته متوافرا فى المدينة ففيها عدة جامعات، إلى جانب العديد من المدارس الخاصة وهذا يضمن لى تعليما جيدا لأبنائى». الجالية العراقية فى 6 أكتوبر على الإنترنت على موقع (Facebook) كان لقاطنى السادس من أكتوبر من اللاجئين العراقيين نافذة خاصة بهم تؤكد وجودهم وتأثيرهم، تدور فى الصفحة كثير من الحوارات والنقاشات حول العراق واللجوء والعودة للوطن والسفر للخارج كما تنظم الجالية رحلات ترفيهية داخل مصر وتحتفل أيضا بالأعياد القومية العراقية كيوم الشهيد العراقى وغيره.. «إلى كل أبناء بلدنا الأعزاء المقميين فى جمهورية مصر العربية.. تعلن شركة الخطوط الجوية العراقية عن اقلاع رحلتها إلى العاصمة بغداد والمرقمة 2011 فعلى الراغبيين بالعودة التأكد من القرار الصحيح والتوجه إلى المطار». لم يكن هذا صوت موظف الاستقبال بمطار القاهرة ولكنها مداخلة قامت بها «دانا القيسى» فى مجموعة «الجالية العراقية فى 6 أكتوبر». وفى المداخلة ذاتها أضافت «دانا» سؤالا مهما قائلة: «حبيت أسألكم سؤال دائما يوجه إلىّ ومن أغلب العراقيين اللى مقيمن بالخارج.. يقول هل من الممكن أن ترجع وتعيش بالعراق مرة ثانية؟». جاءت الإجابة واضحة وصريحة وربما لم تتوقعها هى نفسها بأن الجميع لا يرغبون فى العودة الآن، ولكنهم دوما يفكرون بالعودة. تماما كما قال العراقيون فى الواقع قال الطلاب فى العالم الافتراضى، يحلمون بالعودة لكن من ذهب هناك أخبرهم أن الوضع خطير ومظلم وغير مبشر وفق ما قاله «سيف» ردا على سؤال «دانا» ووافقه عليه كل أصحاب التعليقات التالية.