تحتفل الكنيسة الكاثوليكية ومعها المؤسسات الدينية المختلفة بمرور 60 سنة على صدور بيان المجمع الفاتيكانى الثانى الذى انعقد (1962 – 1965)، والذى أعطى نَفَسًا من التجدد للكنيسة الكاثوليكية فى خطابها الرعوى نحو مؤمنيها، حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، والذى صدر تحت مسمى «فى عصرنا» بتوقيع البابا بولس السادس فى 28 أكتوبر 1965، والذى من وقتها وإلى الآن فتح المجال لما وصلنا إليه من حوارات بين أتباع الأديان والمؤسسات الدينية المختلفة المسيحية والإسلامية، وهى آلية ديناميكية لملاقاة الآخر، لأن كل آخر «فيه خيور ونور ينير كل البشر بما أن الإنسان، وكل إنسان، من خَلْقِ الله تعالى». من بعد الحرب العالمية الأولى نشط المستشرقون الأجانب والعرب الذين اهتموا بدراسة الشرق الأوسط والإسلام واللغة العربية، من أمثال د. طه حسين، ومحمد أبو زهرة، وكارل بروكلمان الألمانى، وبرنارد لويس الإنجليزى – الأمريكى، والأب لويس ماسينيون، والأب جورج شحاتة قنواتى، وغيرهم ممن تخصصوا فى هذه المواضيع، والتى جعلت رويدًا رويدًا الانفتاح على الحضارة العربية والتآخى مع الإسلام. يقول المجمع: «إن الشعوب كلها جماعة واحدة، أصلها واحد، أسكنها الله وجه الأرض كلها، تتجه نحو غاية واحدة قصوى هى الله، الذى يشمل الكل بعنايته، وبآيات لطفه، وتدابير الخلاص». تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الأحد، الحى، القيوم، الرحمن القدير، فاطر السماوات والأرض، الذى كلم الناس، «ويعملون على تعزيز العدالة الاجتماعية والقيم الأدبية». ذلك أدى إلى الحوار مع الأديان الأخرى، خاصة الإسلام، وفتح الباب للتآخى والعمل المشترك. وعلى سبيل المثال: ظهور جمعية الأخاء الدينى فى الخمسينيات مع لويس ماسينيون ومارى كحيل والشيخ محمد حسن الباقورى، ولجنة العدالة والسلام المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك فى مصر، وجمعيات عالمية ومحلية اهتمت بالحوار مثل جمعية سانت إيجيديو، وبيت العائلة المصرية 2011، ومركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) بشراكة سعودية – نمساوية – إسبانية – فاتيكانية. وقد تأسس عام 2012 ومقره الآن فى لشبونة بالبرتغال. وتشكل فى الفاتيكان مجمع خاص للحوار بين أتباع الأديان الإسلامى – المسيحى، ويُعقد بالتناوب بين الأزهر الشريف والفاتيكان. وكذلك الصلاة الجماعية فى أسيزى 1986 مع البابا يوحنا بولس الثانى، وكذلك فى بارى مع البابا فرنسيس، وكذلك البابا ليون فى ساحة الشهداء فى بيروت منذ أربعة أيام. ولا ننسى الصداقة العميقة بين الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والبابا فرنسيس، حيث زار الإمامُ البابا سبع مرات فى سابقة لم نرها من قبل (بعد مرور سحابة صيف فى العلاقات بين الأزهر الشريف والفاتيكان أيام البابا بنديكتوس السادس عشر). هذه الصداقة قادت إلى وثيقة الأخوة الإنسانية فى أبوظبى 4 فبراير 2019، وتُعد إعلانًا مشتركًا عن معنى «الأخوة الإنسانية»، وتُشدد على أهمية الحوار والتفاهم بين الأديان وكيف نعيشها فى أرض الواقع. كما نذكر زيارات البابوات للدول الإسلامية: • بولس السادس: تركيا وفلسطين ولبنان. • يوحنا بولس الثانى: المغرب – لبنان – مصر. • البابا فرنسيس: مصر 2017 بدعوة كريمة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى – المغرب – تركيا – إندونيسيا – الإمارات. • زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى – نوفمبر 2014 (أول زيارة خارجية بعد توليه رئاسة الجمهورية). • زيارة حديثة للبابا لاون الرابع عشر (أول زيارة خارجية) لتركياولبنان، حيث دعا تركيا «أن تكون جسرًا ليس فقط بين آسيا وأوروبا أو الشرق والغرب، ولكن جسرًا مع ذاتها لتكون بلدًا حيًا فى التعددية ويكون مجتمعًا متحضرًا». ومن أهداف هذه الحوارات بناء الجسور بين القيادات الدينية والسياسية، وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات حول القيم المشتركة (العائلة – الشباب – الأسرة – أخلاقيات الطب – الإرهاب، خاصة أيام داعش والقاعدة 11 سبتمبر 2001، وغيرها من المواقف والفتن الطائفية)، والتصدى لتبرير الاضطهاد والعنف والصراع باسم الدين، وتعزيز ثقافة الحوار والعيش المشترك. واليوم، وها هى المؤسسات الدينية من الجانبين تسير مسيرة تعارف وتكامل جنبًا إلى جنب مع الحوار الحياتى بين أتباع الديانتين الكبيرتين، فقد آن الأوان أن ينزل هذا الحوار الأكاديمى من المؤسسات إلى عامة الشعب، لتعضيد التعايش المشترك وإبراز قيمة المواطنة والمساواة أمام القانون بين الجميع.