يجب أن أعترف أنى غير كروى، ليس من جهة الأبعاد الهندسية والأحجام، ولكن من جهة علاقتى بكرة القدم. لم ألعبها ونادرا ما شاهدت مبارياتها. ولكنى وأثناء هذه الدورة الحالية لكأس العالم فى قطر، ولسبب ما، وكما يحدث أحيانا مع شركات الإرسال العملاقة، قامت الشركة باستبدال قنوات أفلام السينما القديمة، بمجموعة قنوات متخصصة فى الألعاب الرياضة والمباريات. وكما يقول المثل «وجع البطن ولا كب الطبيخ»، هكذا وجدت نفسى أخيرا أمام هذا الكم الهائل من المباريات طوال النهار الذى هو طويل لمن يختار مهنة أو هواية الكتابة والجلوس أمام الأوراق أو الكومبيوتر. على هذا وجدت نفسى أتابع ما يحدث مع الآلاف من المشجعين والمتفرجين فى الملاعب وأمام شاشات الإرسال حول العالم. ومنذ بداية هذه الدورة، والمباريات الشيقة تقام فى ملاعب رائعة، وخاصة إستاد الجنوب من تصميم المعمارية النابغة العراقية زاها حديد، وعلى الرغم من جهلى بأسرار اللعبة وقوانينها، ولكننى شاهدت وبكل سرور المباراة الأخيرة اللافتة للانتباه بين المغرب وبلجيكا والتى انتهت بفوز المغرب اثنين صفر. وكأننى عريق فى محبة هذا الفن الكروى، سعدت وفرحت كثيرا بسبب اللعب القوى لفريق المغرب، ولكن أكثر من ذلك كان لمحبتى الكاملة للمغرب كبلد وكشعب، بكل ثرائه الجغرافى والتراثى والعديد من إنجازاته. لقد كان لى الحظ فى زيارة المغرب تقريبا سنويا لمدة العشرين عاما الماضية مدعوا فى نشاط فنى وأدبى. وإن كانت رحلتى تبدأ من مدينة أصيلة التى صارت تقريبا مدينتى المفضلة، والواقعة إلى جنوب مدينة طنجة المشهورة، إلا أننى زرت ربما معظم أنحاء هذا البلد الرائع من الجنوب من سمارة إلى الشمال الحسيمة ومن الشرق كازابلانكا وأغادير إلى الغرب وجدة، وتعجبت لمدى جمال وتنوع الطبيعة، ومدى احتفاظ أهلها بتراثهم على مختلف صفاته. أقول هذا وخاصة إننا كمصريين نعشق بلدنا، إلا أننى أرى وأحس الآن أثناء زياراتى للمغرب بما يذكرنى بفترات زمنية سابقة فى مصر الحبيبة التى تكاد للأسف تفقد الكثير من تنوع تراثها. لا أقول فقدت فمصر بلد تهضم الجديد والمختلف، ولكن ليس من الممكن هضمها. والآن وبفوز المغرب أعود إلى عنوان المقالة «كازابلانكا»، بمناسبة مرور 80 عاما على العرض الأول فى 1942 للفيلم الأمريكى المشهور الذى يحمل اسم المدينة«Casablanca»، وتدور أحداثه أثناء فترة الحرب العالمية الثانية. وربما لمحبى فن السينما، مجرد ذكر اسم هذا الفيلم يعيد إلى مخيلتهم صورة وصوت الممثل الأمريكى الأسطورى همفرى بوجارت والممثلة التى لا تُنسى إنجريد بيرجمان، ومن إخراج مايكل كورتيز. وقد حقق الفيلم نجاحًا قويًا وإن لم يكن مذهلا فى أول عرض له، لكنه فاز فيما بعد بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو مقتبس لإبستين وكوتش. وصار الفيلم أيقونة للعمل السينمائى المتكامل الإبداع، كما صارت بعض لقطاته وأسطر كلماته ولحن أغنيته من أرشيف اللحظات التى لا تنسى. ويُصنف الفيلم حاليا من أعظم الأفلام فى التاريخ. فى عام 1989، اختارت مكتبة الكونجرس بالولايات المتحدة الفيلم كأول فيلم يتم حفظه فى السجل الوطنى للأفلام لكونه «مهمًا ثقافيًا وتاريخيًا وجماليًا». كما فاز بالمرتبة الثالثة عام 2007 من معهد الفيلم الأمريكى كأحسن الأفلام بعد فيلمى المواطن كين لأورسون ويلز، والأب الروحى لفرانسيس فورد كوبولا. ومن اللافت للنظر أن الفيلم لم تُصور ولا لقطة واحدة منه فى مدينة كازابلانكا فى المغرب. فقد تم تصوير الفيلم بالكامل فى استوديوهات الإخوة وارنر فى بوربانك، كاليفورنيا، باستثناء بعض اللقطات فى مطار فان نويز فى لوس أنجلوس. وكازابلانكا فيلم درامى رومانسى، يتناول فكرة الصراع بين الحب والتضحية، وبين الصراعات السياسية القائمة أثناء فترة الحرب العالمية الثانية بين ألمانيا النازية ودول الحلفاء وذلك على أرض مدينة كازابلانكا بالمغرب. وتدور معظم أحداث الفيلم داخل حانة معروفة فى المدينة باسم «مقهى ريك الأمريكى». وهى موطن لعديد من الشخصيات التى تقوم بأعمال مغمورة، ولكنه ريك الذى يقوم بدوره همفرى بوجارت لا يرغب فى التورط فى الأنشطة السياسية المحلية أو العالمية، وبالتالى يفضل البقاء محافظا على الحياد المطلق بحيث لا يميل إلى أى طرف من الأطراف المتورطة فى الحرب. وذات ليلة تدخل المقهى «إلسا» التى تقوم بدورها الممثلة إنجريد بيرجمان مع زوجها «فيكتور لازلو» زعيم المقاومة التشيكية ويقوم بدوره الممثل بول هنريد، وكان لابد من أن يغادرا الدار البيضاء ولسوء الحظ لم يحصلا على التصاريح الضرورية للسفر خارج البلاد نظرا لتدخل النازيين. تتعرف إلسا على عازف البيانو «سام» الذى يقوم بدوره دلى ويلسون، وتسأل عن أخبار ريك وتطلب من سام أن يعزف لها أغنية «مر الزمان«. بدخول ريك ودهشته لرؤية إلسا، ومن خلال اللفتات المتبادلة يتضح أن الإثنين يعرفان بعضهما، وأنهما كانا على علاقة غرامية عندما كانا فى باريس فى الوقت الذى كان الألمان يغزونها. لكنها تركته يغادر وحده مع سام، وكان لهذا الموقف أثره المؤلم فى ذاكرة ريك تجاه إلسا. وإن كان لدى ريك ما يحتاج الزوجان من التصاريح، لكنه كان يرفض المساعدة. وبعد بعض الحوادث، يعود لإلسا حبها لريك، وتوعده أنها سوف تبقى معه إذا وافق على إعطاء فيكتور التصريح ليتمكن من الخروج من البلاد. يوافق ريك، ولكنه فى نهاية الأمر يساعدهما، هى وزوجها على ركوب الطائرة المتجهة إلى البرتغال مضحيا بحبه فى نهاية مؤثرة بين البطلين. ومن المشاهد التى لا تنسى فى الفيلم، حين تطلب إليسا من سام المغنى أن يغنى لها أغنية «مر الزمان»، الأغنية التى تُذكرها بريك. الأغنية من كلمات وألحان هرمان هبفيلد، وغناء دلى ويلسون: «يجب أن تتذكر: القبلة، هى مجرد قبلة، والتنهيدة هى مجرد تنهيدة، وأن الأشياء الأساسية تمضى مع مرور الوقت. وعندما يتأوه عاشقان بكلمة «أحبك»، من الممكن الاعتماد على ذلك بغض النظر عما يحمله المستقبل».