ذكرى تحرير سيناء.. الرئيس السيسي يضع إكليلا من الزهور على قبر السادات| فيديو    بالصور.. تسريب مياه داخل إحدى السفن بغاطس البحر المتوسط في بورسعيد    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    إحالة 23 تقريرا برلمانيا للحكومة بشأن اقتراحات الأعضاء، تعرف عليها    إنفوجراف| أسعار الذهب محليًا في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    "جولدمان ساكس" الأمريكي يتوقع خفض الفائدة في مصر 200 نقطة الشهر المقبل    بحضور وزيري المالية.. البرلمان يبدأ إجراءات مناقشة الموازنة العامة للدولة    البورصة تستهل جلسة اليوم الثلاثاء 22 أبريل بتراجع جماعي لكافة المؤشرات    اطلاق المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ| مايو المقبل    توريد 15 ألفا و200 طن قمح بكفر الشيخ    الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    تفاصيل اصطدام طائرتين خلال عرض عسكري في ماليزيا.. مصرع 10 أشخاص (فيديو)    43 مليون جنيه إسترليني تنتظر الأهلي في مونديال الأندية 2025    تشكيل الهلال المتوقع أمام العين بدوري أبطال آسيا    وزير الشباب والرياضة يلتقي محافظ شمال سيناء    كولر يشرح خطة مواجهة مازيمبي الحاسمة في محاضرة فنية    ناتاليا: درسنا أبيدجان جيدًا وهدفنا وضع الأهلي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    نجم ريال مدريد في طريقه إلى الدوري السعودي    سقوط المتهم بالنصب على الطلاب في دورات تعليمية بسوهاج    رفع 40 سيارة ودراجة نارية متهالكة بمختلف المحافظات    4 قطع حشيش وموس تقود عاطلا للسجن المشدد    سلاح ومخدرات.. الداخلية تداهم أوكار المجرمين بالمحافظات    التعليم: عقد امتحانات طلاب الدمج بالأول والثاني الثانوي ورقيًا    ضبط شخصين بقنا لقيامهما بإطلاق أعيرة نارية تجاه أحد الأشخاص مما أدى إلى وفاته    سباك ينهي حياة سيدة مُسنة لسرقتها بحدائق القبة    وقف نظر دعوى مدير حملة أحمد طنطاوي بقضية تزوير التوكيلات الشعبية    محمد سامي ومي عمر بمسلسل جديد في رمضان 2025| تفاصيل    في ذكرى ميلاده.. معلومات لا تعرفها عن الفنان الراحل «أشرف مصيلحي»    «مفاجآت مالية».. توقعات برج الدلو في الأسبوع الأخير من أبريل 2024    وفاة السيناريست «تامر عبد الحميد»    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    وزيرا التعليم العالي والصحة يشهدان حفل تكريم الفائزين بجوائز «السعودي الألماني»    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    إطلاق قافلة طبية مجانية في قرى مرسى مطروح.. اعرف الأماكن والتخصصات    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    حالات لا يشملها المخالفات المرورية السعودية..طريقة طلب اعفاء من المخالفات المرورية    وزير الاتصالات يناقش مع نظيره الليتواني تعزيز التعاون المشترك    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    مجلس النواب يستمع إلي البيان المالي للحكومة لموازنة 2024-2025    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    جامعة القاهرة: دخول جميع الطلاب امتحانات نهاية العام دون حرمان غير المسددين للمصروفات    زلزال بقوة 5 درجات يضرب المنطقة البحرية قبالة محافظة هوالين فى تايوان    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    إسماعيل بامبا: مستمر مع بتروجت.. ولدي بعض العروض    رسولوف وهازنافيسيوس ينضمان لمسابقة مهرجان كان السينمائي    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى الفقى يكتب: المغرب العربى... ينظر شمالا!
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 11 - 2021

التاريخ هو صانع المستقبل كما أن الجغرافيا هى وعاء الحاضر
بعد احتكاك طويل بأشقائنا فى المشرق العربى والمغرب العربى على امتداد ما يزيد على نصف قرن منذ أن كنت طالبا فى الجامعة وأنا أدرك الفروق الاجتماعية والنفسية بين الجانبين فى إطار العروبة التى تجمع المشرق والمغرب على حدٍ سواء.
لقد لاحظت دائما أن أبناء المغرب العربى أكثر احتكاكا بالغرب بحكم قربهم من أوروبا والتأثر الثقافى بالفرنكوفونية نتيجة الوجود الفرنسى فى معظم تلك الدول وتأثيرها الثقافى المعروف، فالفرنسيون شديدو الاهتمام بالتمكين لثقافتهم ونشر لغتهم وهو أمر اختلف عنه الدور البريطانى فى معظم دول المشرق العربى باستثناء لبنان، لأن التقبل الثقافى مسألة نسبية تتوقف على عوامل كثيرة ولا يستطيع أن يفرض ثقافته كل من يشاء، فالاستعداد الفكرى والتاريخى يختلف من مجتمع إلى آخر، كما أن درجة التقبل تتوقف على عوامل معقدة وخبرات إنسانية متراكمة، وقد لاحظنا أن اللغة الفرنسية وجدت طريقها إلى لهجات دول الشمال الأفريقى بل ودخلت كلمات فرنسية كتعبيرات دارجة فى لهجتهم العامية، ذلك أن تبادل التأثير والتأثر بين الدول يجعل أنماط الحياة متقاربة، فالمطاعم المغاربية تجد مكانها فى المدن الفرنسية أكثر من أى دول أخرى، كما أن مظاهر الحياة تبدو أحيانا متشابهة.
وبالرغم من نجاح جهود التعريب مثلما حدث فى الجزائر، إلا أن آثار الوجود الفرنسى تبدو قوية، وأتذكر أننى كنت ضيفا على الوزير المغربى المرموق محمد بن عيسى فى أحد مهرجانات أصيلة التى أسسها ويرعاها ووقفت يومها على الشاطئ فى طنجة وأنا أكاد أرى الشاطئ الآخر لأوروبا، واكتشفت أن الأرضين الأفريقية والأوروبية متقابلتان فى قرب شديد.
يومها، تأكدت أكثر أن الجغرافيا تصنع التقارب وتجمع الشعوب وتنشر الثقافة، لذلك فإن المقارنة بين المشرق العربى والمغرب العربى هى مقارنة لا تبدو عادلة، فالجغرافيا مختلفة والجوار ليس واحدا، كما أن الظروف التاريخية هى الأخرى ليست مشتركة. ولعلى أقدم هنا طرحا يتجاوز الواقع قليلا لنضع أيدينا على نقاط الاختلاف ومظاهر التباين بين الجانبين ويتجلى ذلك فى المحاور الآتية:
أولا: إن التاريخ هو صانع المستقبل كما أن الجغرافيا هى وعاء الحاضر. وإذا طبقنا ذلك على دول الشمال العربى الأفريقى، سنجد أن البصمة الفرنسية موجودة فى تونس والجزائر والمغرب وربما موريتانيا وتبقى ليبيا الاستثناء الوحيد لأن علاقتها بالوجود الأجنبى تأرجحت بين «الطليان» والإنجليز، ولم تعرف الوجود الفرنسى فى تاريخها الحديث. ولذلك، فإن الماضى هو الذى صنع السبيكة الثقافية لدول شمال أفريقيا وجعلها نموذجا متجانسا إلى حد كبير، إذ إن الولاء الفرنسى للثقافة ولاء معروف ومستمر، فالعامل الثقافى يلعب دورا رئيسا فى سياسة فرنسا الخارجية، ولذلك اتسم استعمارها بما يمكن تسميته بسياسة الاستيعاب أى احتواء المستعمرات وكأنها امتداد للأراضى الفرنسية.
ولقد دفع ذلك عرب شمال أفريقيا إلى البحث فى مضمون الهوية والتفتيش فى زوايا التاريخ والوقوف أمام فترات منه عندما عرفت المنطقة دول المرابطين والموحدين، وصولا إلى الفاطميين الذين بشروا بالمذهب الشيعى فى مصر وظلوا فى حكمها لما يقرب من قرنين من الزمان حتى جاء حكم صلاح الدين وعادت مصر دولة سنّية كما كانت.
ثانيا: إن ظهور النفط فى الجزيرة العربية ومنطقة الخليج عموما غيّر موازين القوى، ونتجت من الاقتصاديات الريعية لدول تلك المنطقة نتائج أهمها الثراء الظاهر الذى جعلها مركز جذب للخبراء والعمال العرب سواء من مصر وسوريا والأردن وفلسطين والعراق، إضافة إلى كوادر وفدت إليها من دول الشمال الأفريقى ولو بنسب أقل، ولكن الخلاصة هى أن الثروة النفطية العربية قد أدت إلى سيولة الحركة بين المشرق والمغرب وأعطت تأثيرا متبادلا للشعور الكامن بمفهوم العروبة فى ظل الإسلام، حتى انشغلت دول المغرب العربى بهموم المشرق، فأصبح العاهل المغربى هو رئيس لجنة القدس، بينما فجرت الثورة الجزائرية قبل ذلك الشعور القومى فى العصر الناصرى على نحو غير مسبوق، ثم استضافت تونس بعد ذلك قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، فضلا عن استضافتها لجامعة الدول العربية فى مقرها المؤقت عندما تركت القاهرة بسبب اتفاقيات كامب ديفيد وما تبعها. فالمغرب العربى اندمج فى المشرق بمنطق الثروة أحيانا ومنطق الثورة أحيانا أخرى.
ثالثا: تجلّت عروبة المغرب العربى بعد تحرره من الاستعمار الأجنبى وسيطرت عليه مشاعر قومية قوية، ويكفى أن نتذكر أن أكبر تظاهرة لدعم العراق فى مواجهته مع الولايات المتحدة جرت فى شوارع الرباط، إذ احتشد عشرات الآلاف على نحو غير مسبوق تأكيدا للمشاعر العربية المشتركة، كما أن القضية الفلسطينية قد استحوذت على قدر كبير من الاهتمام المغاربى وظلت حتى الآن عاملا مؤثرا فى سياساتها على الرغم من التغييرات التى طرأت على توجهات بعض دول الشمال الأفريقى تجاه إسرائيل بتأثير الجاليات اليهودية فيها.
رابعا: لقد أوضحنا أن الاحتلال البريطانى أو الإيطالى مختلف عن الاحتلال الفرنسى الذى هو عملية احتواء كامل كما حدث فى العلاقات الفرنسية الجزائرية لأكثر من مائة سنة، حتى استرد الجزائريون وطنهم وحرروا أرضهم فى كفاح أسطورى معروف، بينما تعايشت دول المشرق مع الاحتلال البريطانى فى مصر والعراق وبعض مناطق الشام والجزيرة العربية. ولذلك، فإن اختلاف الممارسات الاستعمارية لدول الاحتلال فى المشرق عن دولة الاحتلال فرنسا فى المغرب بدوله الثلاث قد أدى إلى نتائج فكرية وثقافية واجتماعية شكلت الفارق بين نوعية الشخصية العربية فى المغرب العربى عنها فى دول المشرق، بخاصة أن القضية الفلسطينية عندما هيمنت على السياسة العربية كانت هى الوعاء الجديد الذى يجمع أطراف الأمة فى اتجاه واحد.
خامسا: إن الإسلام الحنيف يشكل بالنسبة إلى عرب الشمال الأفريقى قومية إلى جانب أنه عقيدة دينية، فالجزائريون عندما حاربوا الاستعمار الفرنسى المشترك معهم ثقافيا، فعلوا ذلك تحت رايات الإسلام الذى لم يكُن مجرد دين يعتنقونه ولكنه أيضا هوية فكرية وسياسية يلتفون حولها، والقياس وارد على دول شمال أفريقيا العربية الأخرى التى واجهت الاستعمار الغربى بالمنطق ذاته، وهو الاعتصام بالهوية الإسلامية عندما كانت أبعاد العروبة بمفهومها الحديث غير واضحة الملامح للعقل الأفريقى العربى، حتى أصبحنا نشهد النضال باسم الإسلام فى معارك التحرير من أجل الاستقلال الوطنى وتعبيرا عن رفض التبعية للمحتل الأجنبى.
هذه قراءة فى ملف الهوية العربية نريد أن نستخلص منها أن دول المغرب العربى عندما تنظر شمالا إلى جنوب أوروبا، فإنها لا تنقلب على هويتها ولا تمضى فى طريق يتباين مع عروبتها ولكنها تفعل ذلك إحساسا بأن مفهوم الحداثة مرتبط بمنطق التغريب. لذلك، فإن معدلات النمو فى بعض أقطار المغرب العربى تسبق دول المشرق إذا ما استبعدنا عامل الثروة النفطية الذى طرأ على الحياة العربية فى المائة عام الأخيرة، إن التجارب التنموية الناجحة إلى حد كبير فى دول المغرب العربى وأعنى بها تلك المتصلة بالتحول الاقتصادى الناجح مثلما هو الأمر فى المغرب والجزائر، والتمكين الناجح فى البناء الاجتماعى مثلما هو الأمر فى تونس منذ عهد الحبيب بورقيبة على نحو يكشف فى النهاية أن دول المغرب العربى تمثل نسيجا متميزا يضيف إلى الأمة العربية درجة من التعددية والتألق يجعل النظر شمالا دعما للارتباط شرقا وليس خصما منه!
نقلا عن إندبندنت عربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.