♦ أسامة عرابى: القصص تحمل رسائل إنسانية وعمقًا مدهشًا ولغة ثرية وعينًا سينمائية متفردة نقاشات أدبية وآراء فلسفية وأفكار متنوعة وحديث شمل ثلاث عشرة قصة تأرجحت بين الفانتازيا والواقع والأساطير، دار حفل إطلاق المجموعة القصصية «قهوة وآيس كريم» للقاصة والكاتبة الصحفية بسمة العوفى، والذى نظمته دار الشروق بمبنى قنصلية وسط البلد، وبحضور مجموعة من القراء والكتّاب. فى بداية كلمتها أعربت «العوفى» عن سعادتها بحفل إطلاق المجموعة القصصية وتقدمت بالشكر إلى الحضور ولدار الشروق، وقالت إن استقبال القراء ل«قهوة وآيس كريم»، والبحث عن كاتبتها وإرسال طلبات الصداقة والرسائل التى تعبر عن حبهم للمجموعة هو أكثر ما أسعدها «جزء كبير من مجد أى كاتب أنه يستطيع أن يؤثر فى إنسان، ويجعله يبحث عنه ليتعرف على الشخص الذى كتب ما أعجبه». واعتبرت العوفى أن احتفاء القراء ب«قهوة وآيس كريم» هو بمثابة شهادة تُثبت بها لنفسها أنها كاتبة، مضيفة أنها ظلت لسنوات طويلة تقرأ الكتب وتكتب مؤلفات لم تنشر حيث ظلت متشككة فى كونها كاتبة لديها ما تقدمه، وأضافت «شيء عظيم أن تقول أنا كاتبة لكنه مسئولية كبيرة، وعندما كنت أُسأل أنتِ كاتبة؟ كنت أرد بأننى أحب الكتابة». وقالت العوفى إن المجموعة القصصية تمزج بين قصص واقعية وأخرى خيالية، وأنها تعتبر نفسها شخصية محظوظة؛ لأنها محاطة بالكثير من القصص التى يمكن أن تكتب، وأنها تؤمن بمقولة ألبرت آينشتاين «الخيال أهم من المعرفة». وتابعت «كل إنسان لديه ما يروى وله طريقته فى الحكى، لكن الكاتب يملك الموهبة فى سرد القصص بشكل مكتوب يعكس معه حياة أصحابها ورؤيتهم للحياة، كل ذلك بغلاف من اللغة قادر على وصف شعور الآخرين». وأوضحت أن العامل المشترك بين الثلاث عشرة قصة فى المجموعة هو أن جميع الأبطال لا يستسلمون لبؤس الواقع، بل يقومون بمحاولات غير تقليدية لتغييره «كل شخص فى الكتاب عنده حلم وإصرار على تحقيق حلمه بطريقة ما، وكنت أتمنى أثناء الكتابة أن يجد الناس فيما أكتبه شيئا يجعلهم يصرون على الحلم وتحقيقه». وفى تقديمه للأمسية قال الكاتب أسامة عربى إن المجموعة القصصية تحمل رسائل إنسانية وعمقا مدهشا ولغة ثرية متنوعة وعين سينمائية متفردة، تكسب النص بعدًا إنسانيًا آسر ولحظات درامية مؤثرة. وأضاف أن المجموعة القصيصة تتألف من ثلاث عشرة قصة وتتفاوت فيما بينها بالطول والقصر، وأنها تُعد محاولة لإدراك بناء أولى يُشكّل ما دعاه الناقد الألمانى هانس روبرت ياوس ب«أفق الانتظار»، من خلال مفهوم المسافة الجمالية كتجربة تفتح النص أمام التأويل الذى يُعده حوار ديناميكى بين القارئ والنص. وعن القصة التى تحمل اسم المجموعة القصصية يحكى «عرابى» إن المؤلفة اختارت أن ترويها بضمير المتكلم، وهو الأسلوب الذى يمنح النص صدقية ورهابية، مبتعدًاعن الشكل السردى المألوف والقائم على الوحدات الأساسية للنص المكونة من «بداية ووسط ونهاية». وأشار إلى أن القصة نجت من شِرك التنميط والترهل والثرثرة، مقدمة بذلك نموذجًا إنسانيًا مفعم بالحياة، والقدرة على التحدى والاستمرار، ومعلية قيمة الحب كقيمة سامية تستعيد بها الإنسانية إنسانيتها، معتبرًا أن بطلة قصة «قهوة وآيس كريم» تكتب لتكتشف نفسها وتتصالح مع الحياة وتتماسك بأجمل ما فيها، وتتعرف على تأثير الزمن وتحولاته عليها. واستعرض مدير اللقاء القصة الأولى من قصص المجموعة والتى حملت عنوان «يد خفية»، وتدور حول الرسام الخفى الذى لا يعرفه أحد ولم يره أى من الناس أو الطرفين المتقاتلين فى الحرب من أين يأتى بألوانه وأدواته ليرسم فى وسط هذا الدمار والقذف ليجمل الخراب والقبح، ويكتب عباراته هنا وهناك ليمنح من خلالها العابرين الأمل والحلم فى أن تعود هذه المدينة كما كانت. تاركًا وراءه سؤالا من المجنون الذى يجرؤ أن يكون طرفًا ثالثًا فى معادلة الدمار، ومن الذى لا يزال يحب هذه المدينة، وهل يحبها حقًا أم يسخر منها برسومه. وأشار إلى أن القصة قدمت نموذجا مشرقا لدور الفن ورسالة الفنان الحقيقى فى العالم. ومن قصة «يد خفية»، إلى قصة «المشتاق»، انطلق أسامة عرابى فى حديثه ليروى كيف عالجت هذه النوفيلا وضعية القرية المصرية، وذلك عبر قصة فتاة جامعية تتدرب فى بلاط صاحبة الجلالة، وتُعد تحقيق استقصائى عن قرية فقيرة محرومة من الماء النظيفة والكهرباء، وتعانى من الأمراض الفتاكة وتحتاج تدخلا من الحكومة، لتصطدم بما فعله رئيس تحرير الصحيفة الذى استبدل التحيقيق بغيره يتحدث عن قرية نموذجية ريفية تعيش فى سلام وهدوء، بعيدًا عن صخب العاصمة، بحجة أن ما كتبته سيغضب النظام، وأن عليها اختيار الموضوعات التى تكتبها إن أرادت ألا تخسر عملها. واعتبر أسامة عرابى أن قصة «تفاحة فاسدة» بمثابة مرافعة بليغة وقوية ضد العنصرية والتمييز الجنسى والنظرة الدونية للبشر، «ترفض بشكل قاطع التفرقة بين البشر والتعامل معهم على أساس لون البشرة»، وذلك من خلال قصة طفلة سمراء، ينبذها من حولها وعلى رأسهم أفراد عائلتها بسبب لون بشرتها شديد الاسمرار وعينيها الواسعتين، فالجدة تلقبها ب«العفريتة السمراء»، والأم تذكرها أنه لا أمل لها بالزواج، وأن يديها كبيرتان، فلن تجد من يضع فيها خاتم زواج. تبحث عن الحب فلا تجد، تنشغل بالقراءة وتكمل تعليمها وتعمل بالإرشاد السياحى، لكنها تظل تعانى من التهميش والتحقير بسبب لون بشرتها وعينها الواسعة التى تشبه عين البقرة كما تصفها أمها. وأثنى عرابى على الحيلة الذكية التى لجأت إليها المؤلفة للتعبير عن غضب الفتاة أثناء سرد القصة؛ حيث جعلتها تقرر أن ترتدى حزاما عريضا حول خصرها وتحمل حقيبة سوداء وتهدد كل من يقترب منها بالتفجير، لتمتلئ المنطقة برجال الأمن وكاميرات الإعلام، التى بثت خبر «إرهابية داخل الهرم»، لتبدأ هى بالقول «مرحبًا أنا لست إرهابية، أنا امرأة عادية، سأحكى لكم قصة»، وتبدأ فى سرد ما مرت به فى طفولتها حتى لحظة تعرضها فى عتمة الأهرامات للتحرش ثم الابتزاز والسرقة ثم للضرب والبصق فى وجهها مصحوبًا بعبارة «سوداء حقيرة».. لينتزع ذلك الحكى مشاعر الغضب تجاه ما فعلته إلى مشاعر تفهم وتضامن بعد رؤية الدموع فى عينيها، فقد الهمت قصتها العالم وانطلقت مظاهرات تضامن معها ووصلها طلبات من محامين عالميين للدفاع عنها. وفى ختام حديثه قال «عرابى» مجموعة قهوة وآيس كريم، تنم عن مؤلفة صاحبة واعى أدبى راقى، ولها قدرة على التعبير بحس تشكيلى مرهف جعل مشاهد القصص تتوالى بصورة درامية تتفهم الحدث والشخصية وتكسب اللحظة ميلادا جديدا وخصوصية». «يد خفية، المشتاق، تفاحة فاسدة، ذهب عتيق، القاتِل، قهوة وآيس كريم، الخروج من عباءة العالم، المشى على الماء، بيتزا على روح الساحرة، الأمير الكبير، سلم إلى السماء، شجرة القطط الذهبية»، بلغة عذبة، ومفردات أنيقة، وخيال يحمل القارئ فوق أجنحة الأساطير، ووعى يرصد الواقع وينقش مأساته فى الأذهان بنصل السكين، تأتى نصوص المجموعة القصصية «قهوة وآيس كريم»، عبر ثلاث عشرة قصة قصيرة ونوفيلا، تأخذ القارئ فى رحلة عبر الزمن، بين حكايات ترصد الواقع العربى المعيش فى ظل الحروب والدمار، وحكايات فانتازية حيث تسكن ربة القمر «إيزيس» أم الطبيعة، سيدة العرش المُبصرة الكاهنة البديعة، صاحبة القلب الوضّاء، ومنشأ الحب وأصل الوفاء. اختيرت قصة «المشى على الماء»، ضمن المجموعة القصصية، كأفضل قصة قصيرة عن مؤسسة «آنا ليندا» إسبانيا، وفيها تتطرق الكاتبة إلى جحيم الحرب بين مؤيد ومدبر ومبرر وقتلى ومقتولين لم يشاركوا فى قرار الحرب، وأصبح اصطيادهم أشبه برياضة صيد البط، تنهمر عليهم الطلقات والمقذوفات وتلتهمهم النيران أينما كانوا.