الأنظمة الصاخبة تتراكم فيها الأخطاء بدلا من إلغاء بعضها البعض «واشنطن بوست»: يجب على كل أكاديمى وصانع قرار وقائد ومستشار قراءته كتاب «ضوضاء: عيب فى الحكم البشرى» الصادر حديثا يتناول عدة أمور مفيدة للتعرف عليها عن قرب، ورغم أن موضوع الكتاب خليط من عدة مجالات كعلم النفس والإحصاء وعلم الإدارة إلا أنه يبدو عن القراء بالعربية. ويتناول الكتاب بالبحث المدقق والأدلة العملية التباين فى إبداء الرأى المهنى، والفشل فى الاتفاق على رأى واحد، وهو الشىء الذى يصيب البشر بالتشتت والذى هو مثال على هذه «الضوضاء»، وقد تعاون فى كتابته الأستاذ فى جامعة برنستون والحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد عام 2002، دانيال كانيمان، وأستاذ الإدارة وسياسات الأعمال، أوليفييه سيبونى، وأستاذ الاقتصادى السلوكى والسياسات العامة بجامعة هارفرد، كاس سنستين. منذ أيام أشار إليه الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار السابق ومبعوث الأممالمتحدة لأجندة التمويل 2030، ولفت النظر إليه بترشيحه للقراءة عبر مدونته على موقع «لينكد إن»؛ حيث ذكر أن الكتاب يتناول أمثلة مهمة لما يضلل توقعاتنا، وكذلك مدى سلامة حكمنا على الأمور فيما يعرف ب «الضوضاء» أو المؤثرات المُشوِّهة لسلامة التقدير. وقد أثارت «الضوضاء» حماس العديد من علماء النفس والاقتصاديين السلوكيين من قبل (ومن بينهم مؤلفى الكتاب) إلى دراسة الأسباب والعلاجات للعديد من هذه الأخطاء، بما فى ذلك الثقة المفرطة، والقوالب النمطية والتحيز التأكيدى أو البحث عن المعلومات التى تدعم معتقداتنا وتذكرها وتضعها فى قالب لا يقبل الجدل. ويستهل المؤلفون الكتاب بالتفرقة بين عن (الانحرافات المنهجية) القائمة على التحيز للرأى والضوضاء أو (البعثرة العشوائية)، ويستفيض الكتاب بعد ذلك فى شرح وتوثيق الحالة العاطفية التى قد تسفر عن وقوع تلك الضوضاء وما يمكن أن يفعله صانعو القرار حيال ذلك. كما أنه يمزج بين القصص والدراسات والإحصاءات لإثبات أن الضوضاء لا تقل ضررًا عن التحيُّز، ومن بين أضرارها: تقويض الإنصاف والعدالة، وإضاعة الوقت والمال، والإضرار بالصحة الجسدية والعقلية. وقد أظهر «كانيمان» وزملاؤه كيف أن الاختلاف غير المرغوب فيه فى الأحكام (التقييمات) والقرارات (الخيارات) يخلق «أنظمة صاخبة» والتى تؤثر بالسلب على المهنيين بما فى ذلك القضاة الجنائيين، وشركات التأمين، وعلماء الطب الشرعى، والأطباء، الذين يصدرون بشكل روتينى أحكامًا وقرارات متنوعة للغاية بشأن حالات مماثلة. وقد وصف المؤلفون الأنظمة ب«الصاخبة» لأن المهنيين المختلفين يطبقون معايير مختلفة، فعلى سبيل المثال، عندما قام العديد من الأطباء بتقييم حالات مرضية متطابقة بحثًا عن أدلة على الإصابة بأمراض القلب، والسل، وسرطان الجلد، وسرطان الثدى، اتفقوا على التشخيص حوالى ثلثى الوقت فقط، وهناك أمثلة عدة على مرضى قاموا بزيارة عيادات الأطباء بنفس الأعراض وحصلوا على تشخيصات مختلفة. وفى مثل هذه الأنظمة الصاخبة، تتراكم الأخطاء بدلا من إلغاء بعضها البعض، فعلى حد تعبير المؤلفين: «إذا حكم على اثنين من المجرمين كلاهما بالسجن خمس سنوات، ثم قمنا بسجنهما ثلاث وسبع سنوات لتحقيق نفس المدة الزمنية، فإن العدالة لم تتحقق فى المتوسط». وأشار المؤلفون إلى أن الأنظمة أيضًا صاخبة لأنه، بمرور الوقت، يطبق نفس المحترفين معايير غير متسقة؛ فقد وجدت دراسة أجريت على 22 طبيبًا فحص كل منهم نفس 13 صورة وعائية مرتين، بعد عدة أشهر، أنهم اختلفوا مع أنفسهم بين 63 فى المائة و92 فى المائة من الوقت، ولشرح مثل هذه التقلبات، يقدم المؤلفون قوالب لضوضاء مختلفة؛ مثل: التقلبات فى مزاج الشخص، والتعب، والبيئة المادية والأداء السابق والتى تشكل الأحكام، ونسوق فى هذا مثال الدراسة التى تحمل عنوان «Clouds Make Nerds Look Good»، والتى فحصت 682 قرارًا فعليًا من قبل مسئولى القبول بالجامعة: حيث وُجِد أن المسئولين قاموا بطرح أسألة صعبة للقبول على المتقدمين بشكل أكبر فى الأيام ذات الطقس السيئ من الأيام المشمسة. وتتعمق «الضوضاء» فى تفاصيل التباين غير المرغوب فيه، بما فى ذلك أسبابه ومكوناته، وكيفية قياسه، والتفاعل بين الضوضاء والتحيز؛ حيث يعالج المؤلفون سبب قدرة المجموعات (مقابل صانعى القرار الفرديين) على تضخيم الضوضاء وكيف يمكن للإرشادات والقواعد والخوارزميات تقليلها، كما أنها تساعد صانعى القرار على تحديد ضوضاء النظام وتقليلها. ومن أجل تقليل «الضوضاء» يقترح المؤلفون إجراء «تدقيق الضوضاء» كخطوة أولى مفيدة؛ فعندما قامت إحدى شركات التأمين بعملية تدقيق، ذهل التنفيذيون من النتائج؛ حيث كانت تقديرات العديد من شركات التأمين الذين قيموا مطالبات متطابقة أكثر ضجيجًا بخمس مرات مما كان متوقعًا، وقد حسب المديريون التنفيذيون أن مثل هذه الضوضاء تكلف الشركة مئات الملايين من الدولارات كل عام. وقد خصص المؤلفون الثلاثة ثمانية فصول لطرق الحد من الضوضاء، بالإضافة إلى ثلاثة ملاحق لمساعدة القُرّاء على إجراء عمليات تدقيق الضوضاء، وتطوير قوائم المراجعة لتحسين قرارات المجموعة وتحسين التنبؤات، وسبل التعرف على السمات المميزة للأشخاص الذين يخففون ضوضاء النظام بدلا من تضخيمها وهذا يشمل الأشخاص الذين يميلون إلى التفكير البطىء والحذر بدلا من القفز إلى الاستنتاجات وهو موضوع مركزى فى كتاب «كانيمان» الأكثر مبيعًا «التفكير والسريع والبطىء»، والذى يتحدث عن الأشخاص المنفتحين، الذين يبحثون باستمرار عن معلومات جديدة ويحدثون معتقداتهم باستمرار. كما يقترح المؤلفون أنه لتقليل الضوضاء فى عملية اتخاذ القرار، من الأفضل أولا أن تطلب من عدة أشخاص إصدار أحكام مستقلة ثم جمعهم معًا لحل الاختلافات، ويشرحون كيف أن الإرشادات والقيود التى تحد من الحدس والتفضيلات الشخصية، المعروفة منذ فترة طويلة لتقليل التحيز، تقلل أيضًا من الضوضاء؛ فعلى سبيل المثال، يحثون المنظمات على استخدام المقابلات المنظمة بدلا من المقابلات غير المنظمة لاختيار الموظفين؛ حيث وجدت الدراسات أن الأسئلة المطروحة بحرية على المرشحين للوظائف تؤدى لنتائج أقل مما إن كانت الأسئلة مُجهزة ومُعدة مسبقًا. ويقترح الكتاب أيضًا أنه يمكن للمجموعات معالجة الضوضاء والتحيز من خلال تعيين «مراقب قرار»، وهو قائد أو متخصص مكلف بتتبع وتوجيه التفاعلات، يوفر قائمة مراجعة مطولة من الأسئلة لمساعدة هؤلاء المراقبين أو أى شخص آخر فى تشخيص متى تتجنب المجموعات أو تضخ الأخطاء التى من شأنها تقويض قراراتهم. وقد وصفت جريدة «الواشنطن بوست» الكتاب بأنه خليط ما بين كتب علم النفس أو الإحصاء، والمقالات العلمية أو الأكاديمية، كما رشحته للقراءة لكل أكاديمى وصانع قرار وقائد ومستشار.