تعتبر السياحة الدولية أكبر صادرات نيوزيلندا في أي عام عادي. وعادة ما تشهد مدينة كوينزتاون رواجا سياحيا بسبب المشهد الرائع لجبال الألب الساحرة، والرياضات التي تتسم بالمغامرة، وانتشار مزارع الكروم. ولكن في ظل إغلاق حدود البلاد منذ 19 من مارس الماضي، قل عدد اللهجات الأجنبية التي يمكن للمرء سماعها في منتجعات كوينزتاون، بحسب ما ذكرته وكالة "بلومبرج" للأنباء. حيث تم غلق الحانات، وتبقى القوارب السريعة خارج النهر لنحو نصف الأسبوع، كما يتوقف العمل في أحد أكبر منتجعات التزلج بالمنطقة من يوم الاثنين حتى يوم الجمعة من كل أسبوع. وقال عمدة منطقة كوينزتاون ليكس، جيم بولت: "لقد كان الأمر أشبه بتوقيف مفتاح تشغيل السيارة، فتم التوقف على الفور"، مضيفا: "لقد كان التأثير الناتج عن الأعمال التجارية المحلية والتوظيف والاقتصاد المحلي، مروعا". ونظرا لأن جائحة مرض كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا المستجد يتسبب في غلق الحدود ووقف حركة طيران الطائرات حول العالم، فإن الوجهات الشهيرة بداية من كيوتو وصولا إلى أمستردام، صارت تتعامل وفقا للواقع الجديد المتمثل في وجود أعداد أقل من الزائرين، وتبحث عن طرق لإعادة ضبط اقتصاداتها المحلية. وفي كوينزتاون، تتراجع أسعار العقارات عن مستوياتها القياسية، وتقوم الشركات بخفض التكاليف بينما تستعد لمواجهة صيف طويل بدون تدفق السائحين القادمين من أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا، بحسب "بلومبرج". وفي أنحاء البلاد، كان الزائرون الأجانب قد أنفقوا 17.2 مليار دولار نيوزيلندي (11.5 مليار دولار) خلال فترة 12 شهرا انتهت في مارس من عام 2019، وهو ما يمثل 20% من إجمالي صادرات البلاد. كما أن السائحين الاجانب عادة ما كانوا ينفقون نحو 1.9 مليار دولار نيوزيلندي سنويا في كوينزتاون وحدها. ويقول بولت إن المنطقة تعمل بنحو 40% من حجم عملها في الايام العادية، حتى في ظل اغتنام المزيد من النيوزيلنديين الفرصة للقيام بزيارتها. وعادة ما يكون الزوار المحليون أكثر حساسية تجاه الأسعار عن غيرهم من الأجانب، مما يؤدي إلى عدم تمكن المشغلين المحليين للاعمال السياحية من تفادي التأثير السيء. من ناحية أخرى، تتوقع شركة "إن زد سكي"، التي تمتلك اثنين من منتجعات التزلج الرئيسية في المنطقة، أن ينخفض أ عداد الزائرين بنحو 30% في هذا الموسم، حيث يقول الرئيس التنفيذي للشركة، بول أندرسون، إن الإيرادات قد تنخفض بنسبة تصل إلى 50%، لأن المتزلجين المحليين ينفقون أقل من الأستراليين -الذين عادة ما يشكلون نحو ثلث أعداد الزائرين- فيما يتعلق بتلقي دروس التزلج واستئجار المعدات الخاصة بتلك الرياضة. وتحسبا لذلك، بدأت الشركة الموسم بخفض أعداد العاملين إلى النصف، وخفض التكاليف الداخلية مثل التسويق، بالاضافة إلى تقليل الأيام المتاحة للوصول إلى المنحدرات خلال الأسبوع. ويستعد أندرسون لمواجهة أيام عسيرة في عام 2021، مع وجود فرصة ضئيلة لحدوث بعض التحسن إذا تم التمكن من توفير منطقة سفر آمنة مع أستراليا، بحسب ما نقلته "بلومبرج". ويشار إلى أن المسؤولين يعملون حاليا على إنجاز فكرة "فقاعة السفر عبر تاسمان"، التي تسمح للأستراليين والنيوزيلنديين بالسفر بحرية بين البلدين، وذلك على الرغم من أن تفشي المرض بين المجتمعات المحلية في البلدين قد أدى إلى تأخر تطبيق الاجراء. ويعتمد أصحاب العمل المحليون من أمثال أندرسون، على العاملين الأجانب بشكل كبير خلال الأوقات العادية، ولا سيما في الوظائف ذات الأجور المنخفضة، وقد تسبب خفض الوظائف في تقطع السبل بعدد كبير منهم. ومازال هناك نحو 4000 عامل مهاجر في المنطقة. ويقول أندرو ويلسون، مدير شؤون الوزارات المجتمعية في كوينزتاون، إنه عندما بلغ الإغلاق ذروته في شهري أبريل ومايو الماضيين، كان مجتمع المهاجرين يشكل نحو ثلاثة أرباع الأشخاص المصطفين أمام بنك الطعام التابع لمنظمة "جيش الخلاص" الخيرية. من ناحية أخرى، صارت أسعار المعيشة المعروفة بارتفاعها في كوينزتاون، أكثر اعتدالا، مع توفر المزيد من العقارات المتاحة للإيجار في السوق، في الوقت الذي شهد انخفاض حجم السكان في المدينة، كما صارت العقارات التي كان يتم تأجيرها للراغبين في قضاء العطلات متاحة الأن للمستأجرين الدائمين. وأشارت "بلومبرج" إلى انخفاض متوسط قيمة أسعار العقارات للشهر الرابع في أغسطس الماضي، حيث انخفضت بنسبة 7.4% عن الذروة التي وصلت لها في مايو، بحسب بيانات شركة "كور لوجيك". ومع ذلك، فإن سعر السوق مازال مكلفا بالنسبة للكثير من المشترين، حيث يبلغ متوسط سعر الطلب 1.1 مليون دولار نيوزيلندي. ومن جانبها، تتوقع وزارة الخزانة النيوزيلندية أن تظل حدود البلاد مغلقة طوال عام 2021، وذلك على الرغم من أن الحكومة تقول إنها ترغب في فتحها عاجلا في حال كان ذلك آمنا. ولكن التوقعات غير مؤكدة في ظل عدم وجود جدول زمني حاسم. وتجدر الاشارة إلى أنه ثمة بيانات رسمية حكومية أشارت في الاسبوع الماضي إلى أن نيوزيلندا سجلت أكبر انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي على الإطلاق جراء الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا. وقالت هيئة الإحصاء النيوزيلندية إن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض بنسبة 12.2% في الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 يونيو الماضي، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأت البلاد تسجيل بيانات الناتج المحلي في عام 1987. وكانت نيوزيلندا قد بدأت الربع الثاني من العام الحالي بإغلاق اقتصادي صارم لوقف انتشار الفيروس حيث تم وقف جميع الأنشطة الاقتصادية غير الحيوية وهو ما جعل الكثير من قطاعات الاقتصاد غير قادرة على العمل بشكل طبيعي. وفي الثامن من يونيو الماضي تم تخفيف قيود الإغلاق رغم استمرار إغلاق الحدود أمام أغلب من يريدون الدخول.