المجلات الاقتصادية الكبرى تحوى بانتظام أبحاثًا عن أهمية الثقافة «القهوة» سر تفوق اقتصاد «كوستاريكا».. و«ناميبيا» أفضل زراعيا من «مصر» بسبب استعمال النساء أدوات أبسط الاقتصاد الإبداعى يعد جزءا فى غاية الأهمية من الاقتصاد العالمى خلال السنوات الأخيرة، حيث أدركت دول العالم أهمية الصناعات القائمة على المعرفة، ومنها الصناعات الإبداعية التى باتت عنصرا مهما فى اقتصادات كثير من هذه الدول من خلال مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى وتوفير فرص العمل. والصناعات الإبداعية تتضمن نشر الكتب والصحف والمجلات العلمية والسينما والأدب. وبحسب منظمة اليونسكو وفرت الصناعات الإبداعية عوائد بلغت 2 تريليون دولار عام 2018، أى ما يعادل 3 % من الناتج الإجمالى العالمى. وهناك علاقة وثيقة بين الاقتصاد والثقافة؛ حيث كان للثقافة دور مباشر فى صعود البلدان نحو الثراء أو ترديها فى قاع بئر الفقر، وقد ظهر علم الاقتصاد فى القرن الثامن عشر نتيجة محاولة الناس شرح ذلك الأمر؛ فعلى سبيل المثال، كان الوضع المعيشى لأغنى دولة فى العالم عام 1500 ضعف ما كان عليه فى أفقر دولة، وبحلول عام 1750 أصبحت النسبة خمسة إلى واحد، وفى السطور القادمة تستعرض «الشروق» نبذة عن طبيعة تلك العلاقة، وتطورها عبر الأزمان المختلفة، والتى ورد ذكرها بمجلة «ذى إيكونوميست» الأسبوعية البريطانية. وأضاف التقرير أن الاهتمام بالاتجاة الثقافى فى عالم الاقتصاد ظل قائما كما أنه فى طريقه للعودة مرة أخرى حيث إن كبرى المجلات الاقتصادية تتضمن الآن وبشكل دورى أوراقًا بحثية عن أهمية الثقافة، حتى إن العديد من الاقتصاديين المتشددين أدركوا حدود التفكير الاقتصادى البحت، وربما كان النص الأكثر تأثيرًا فى إحياء الاقتصاد الثقافى هو «جعل الديمقراطية تعمل»، وهو كتاب لروبرت بوتنام صدر عام 1993، فى محاولة من السيد بوتنام لمعرفة أسباب ثراء الشمال الإيطالى على عكس الجنوب لعقود عديدة، وقد توصل لتفسير ثقافى اجتماعى، فرأى بوتنام أن الناس فى الجنوب كانوا موالين بشدة لأسرهم كما أنهم كانوا أكثر ارتيابا من الغرباء، بينما كان الشماليون سعداء لبناء روابط مع الغرباء وكانوا أكثر مشاركة فى الجمعيات الثقافية والرياضية كما أنهم كانوا يقرأون الصحف ويصوتون فى الاستفتاءات، وهذا بحسب نظرية بوتنام ساهم فى تحسين أداء الحكومة المحلية والمعاملات الاقتصادية فى الشمال، الأمر الذى انتج بدوره ثروة كبيرة. وأشار التقرير إلى أن إعادة إحياء التفسيرات الثقافية للثراء والفقر يطرح تساؤلين أساسيين الأول يتعلق بأصول السمات الثقافية: من أين أتت؟ أما الثانى فهو لماذا يكون للناس من ثقافات متشابهة فى بعض الأحيان نتائج اقتصادية مختلفة جدًا؟ للإجابة عن الأسئلة المطروحة عاد التقرير لبعض الأبحاث التى رأت أن السمات الثقافية نتاج تغييرات حدثت منذ مئات السنين، ففى ورقة بحثية نُشرت عام 2013 أوضحت أسباب اختلاف معدلات مشاركة الإناث فى القوى العاملة بالدول المختلفة، حيث تتساوى كل من مصر وناميبيا فى معدل ثرائهما إلا أن المرأة الناميبية تسيطر على أكثر من ضعف نصيب المرأة المصرية فى قوة العمل، تعزو الورقة البحثية هذا الاختلاف إلى الظروف الزراعية والبيئية فى عصر ما قبل الصناعة حيث تطلبت الزراعة فى مصر استخدام المحراث والذى يحتاج لقوة عضلية كبيرة لذا كان للرجل الأفضلية فى العمل، على العكس فى ناميبيا استُخدمت أدوت خفيفة مثل المعزقة والتى تناسب النساء بشكل أفضل. ركزت مجموعة منفصلة من الأبحاث على الحالات التى لا تكون فيها الثقافة التفسير الوحيد للنتائج الاقتصادية كما هو الحال فى جواتيمالا وكوستاريكا، حيث يمتلك البلدان تاريخا واحدا وجغرافيا متشابهة وميراث ثقافى مشترك كما أنهما واجهتا نفس الفرص الاقتصادية فى القرن التاسع عشر، فوفقا لكتاب الممر الضيق «the narrow corridor» الذى صدر العام الماضى لدارون أسيموغلو وجيمس روبنسون يعد متوسط ثراء المواطن الكوستاريكى أكثر من ضعف متوسط المواطن الجواتيمالى، وهو الأمر الذى بدا فى البداية عشوائيا إلا أنه سرعان ما اتضح حيث تبين أن القهوة هى السبب، ففى كوستاريكا، أدى تطوير مزارع البن من أجل التصدير للسوق الأوروبية إلى علاقة أكثر توازنا بين الدولة والمجتمع، على النقيض من ذلك فى جواتيمالا أدى ذلك إلى ظهور حكومة ناهبة ومستغلة. وفى الختام، يبدو أن بعض البلدان غنية والبعض الآخر فقير بسبب مزيج فوضوى من الحوافز الاقتصادية، والثقافة، والمؤسسات، والفرص، ولكن الأمر لم يُحسم بعد، وكما قال، توماس مالتوس، وهو أحد الاقتصاديين الأوائل، فى رسالة لنظيره ديفيد ريكاردو: «إن أسباب ثراء وفقر الأمم كانت الهدف الأكبر لجميع الاستفسارات فى الاقتصاد السياسي»، ولم تزل حتى الآن.