- ال«أناجيل» الأخلاقية لبعض المؤسسات الصحفية تخفى قدرا من الإغفال الواضح.. سؤال لا يزال يتكرر فى كل محفل صحفى، دون إجابة أو اتفاق واضح: ما الأخلاقيات التى تحكم عمل الصحافة؟ وما هى حدود التغافل عنها داخل صالات التحرير؟ وما علة التفاوت بين صحيفة وأخرى فى الالتزام بتلك الأخلاقيات؟ وما هى القواعد الأكثر اتفاقا بين المعنيين والمشتغلين بالمهنة فى مؤسساتها الكبيرة؟ هذا ما يخبرنا به الصحفى البريطانى وأستاذ الصحافة بجامعة كارديف بالمملكة المتحدة إيان هارجريفز، فى كتابه: «ما يجب أن تعرفه عن الصحافة» الصادر عن دار «الشروق» (2011) من ترجمة بدر الرفاعى. «الصحف ليست إلا مرايا كبيرة تعكس العالم».. هكذا يردد كثير من الصحفيين، وفى حقيقة الأمر فإن هناك تطلع إلى مزيد من التقوى فى كل مكان. ولا تمل «واشنطن بوست دسكتوب أون ستايل» من ترديد المبادئ التى وضعها يوجين ماير عندما اشترى الصحفية فى عام 1933. وهى تبدأ بأن: «المهمة الأولى للصحيفة هى أن تقول الحقيقة فى أكثر صورها تأكيدا». ومن بين التصريحات الأخرى المقدسة: «واجب الصحيفة هو خدمة قرائها والجمهور الأوسع، وليس المصالح الخاصة للمالك. وفى سعيها وراء الحقيقة، على الصحيفة أن تكون على استعداد لأن تقدم تضحيات من حصتها المادية، إذا كان هذا فى الصالح العام. وينبغى ألا تتبنى الصحيفة أى مصالح خاصة، لكنها يجب أن تكون نزيهة وحرة ومحايدة فى نظرتها إلى الأمور العامة وإلى الشخصيات العامة». ويبلغ حجم دليل «بوست» أكثر من 200 صفحة. لكن إسهاب «أناجيل» مؤسسات صحفية كتلك يخفى، حسب إحدى الدراسات، قدرا من الإغفال الواضح. فمن بين تلك 33 دليلا صحفيا قام معهد «بيونتر» بتحليلها فى 1999، نجد أن أقل من خمس المواد تتعلق بموضوع التوترات بين إدارتى التحرير والإعلان، فى حين تتجاهل الكثير من المواد الموضوع الحاسم المتصل بكيفية تطبيق الصحف الفعلى لمعاييرها أو عدم تطبيقها فعليا، فى مقابل إعلانها تلك المعايير. وفى بريطانيا كذلك، فإن حجم الدلائل الإرشادية لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» للمنتجين كبير أيضا، ويتضمن قواعد لكل شىء من النزاهة وعدم التحيز (المفروضة بحكم القانون على كل الإذاعات المرخص لها فى المملكة المتحدة)، والعدالة، والخصوصية، والذوق وآداب السلوط، والعنف، وتصوير الصغار على شاشة التلفزيون، وتضارب المصالح، والكثير غير ذلك. و«دليل المحرر»، الذى على أساسه تنظر لجنة شكاوى الصحافة فى الشكاوى الموجهة ضد الصحافة، عبارة عن وثيقة من 4 صفحات تعطى مؤشرا جيدا على المعايير الأخلاقية الأساسية التى يعتبرها الصحفيون فى الكثير من أنحاء العالم معايير ملائمة أخلاقيا. تشمل تلك المعايير: الدقة، والتصحيح الفورى للمعلومات غير الدقيقة، وكفالة حق الرد على الهجوم أو النقد، وحظر انتهاك الخصوصية، بما فى هذا استخدام الكاميرات ذات العدسات المقربة، إلا فى الحالات المتصلة بالصالح العام الأصيل، والتطفل وإزعاج من يعانون الحزن أو الصدمة يجب أن «يتم بروح التعاطف والتعقل»، كما يجب عدم إزعاج الأطفال فى المدارس تحت سن 16 عاما، أو إجراء مقابلات معهم، أو تصويرهم دون موافقة ولى الأمر. ويجب عدم استخدام أجهزة التصنت، أو تسجيل المكالمات الهاتفية إلا فى الحالات المتصلة بالصالح العام. وفى المستشفيات: يتعين على الصحفيين عدم العمل بصورة خفية. وعلى الصحفيين بوجه عام ألا يسعوا للحصول على معلومات أو صور بالحيلة والتحريف». وهذه المعلومات «ينبغى عدم نشرها إلا بموافقة صاحبها». ومرة أخرى هناك استثناء إذا كان نشرها للصالح العام. كما تضم قائمة المعايير: عدم الحديث عن عرق الفرد أو جنسه، أو دينه، أو ميوله الجنسية أو عجزه لا يتم إلا إذا كانت القصة تتصل اتصالا مباشرا بهذه المسائل. وفيما يخص الصحافة المالية: ينبغى عدم استخدام المعلومات الواردة لتحقيق مكاسب شخصية؛ ولا الكتابة عن أسهم يهتم بها الصحفى دون موافقة رئيس التحرير. ويجب – كذلك حماية سرية المصادر. وهذا «التزام أخلاقى». وفى النهاية: الدفع مقابل الحصول على القصص مقبول، لكن ليس للمجرمين وشركائهم، إلا إذا كان هذا للصالح العام بالطبع. يعلق المؤلف: فى أثناء عملى مع الشباب، من طلبة الصحافة، واجهت عصبية حقيقية ومبررة حول حقيقة صالات الأخبار. هل من السليم أن نضع ضغوطا عاطفية على أهل فقدوا طفلهم فى ظروف مأساوية من أجل الحصول على صورة يعتزون بها؟ هل من الطبيعى، كما ترى هيلدى جونسون، أن تسرق الصورة من فوق المدفأة؟ وماذا عن سرقة وثيقة، أو اختلاس نظرة إلى وثيقة عندما يحول من تجرى معه المقابلة انتباهه للحظة، أو يستدعيه أحد لخارج الغرفة؟ فى أى الأحوال تكذب لتحصل على حقيقة أكبر. هل أنت مستعد لإخفاء هويتك أو التنكر والتخفى؟ الأمر مرهون بالظروف، أليس كذلك؟ فقد يكون من المقبول أن تدعى بأنك مشترى سيارة مستعملة لكشف موزع عمله هو بيع السيارات الرديئة المستعملة. لكن أن تنتحل شخصية طبيب؛ حتى تجعل شخص ما يبوح لك بمشاكله الصحية الحميمة، فأمر مختلف. هل يمكن تبرير مثل هذا التطفل والاحتيال على أرضية «المصلحة العامة»، انطلاقا من أن الشخص الذى يتناوله التحقيق شخصية مشهورة؟ فى مثل هذا النوع من الحالات، فإن كتب القواعد تزيد من إرباكك، وفى كل الأحوال، فإن ما تحظره مؤسسة صحفية قد تحتفى به صحيفة أخرى. فبأى أسلوب آخر يمكنك فهم عالم مهنى يمتد من قاعدة «عند جمع الأخبار، ينبغى على المحرر ألا يبدل هويته» التى تتبناها «واشنطن بوست»، إلى «نيوز أوف ذا وورلد»، الذى اعتاد أشهر محرريها التنكر فى هيئة شيخ للإيقاع بضحاياه؟ وعندما يسأل طلبة الصحافة عن كيفية الإبحار فى عالم يعج بهذه التناقضات، فمن الصعب تقديم إجابة غير هذه. فالصحفيون جزء من المجتمعات التى يعملون فيها. ويكتسبون، عبر هذه المجتمعات، فهمهم للصح والخطأ؛ ولهم، والحمد لله، بوصلة أخلاقية اكتسبوها من خارج الصحافة. ويرجع الأمر إلى كل فرد فى الاحتفاظ بهذه البوصلة، والالتزام بقيمه وقيم مجتمعه. واختصارا، لا تتوقع من صاحب العمل ولا من صناعة الصحافة، ولا، لا قدر الله، رئيس التحرير أن يختار لك، بحسب تعبير المؤلف.