في أمسية شديدة الحرارة والرطوبة من شهور يونيو في بروكسل، ينظر تمثال برونزي للملك ليوبولد الثاني من القرن التاسع عشر إلى مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يتناقشون حول مصيره. هل ينبغي هدمه وإبعاده إلى أحد المتاحف؟ تعتقد امرأة ذلك. أو هل يمكن نقش أسماء البعض من ملايين الأشخاص من الذين لقوا حتفهم عندما كان يترأس دولة الكونغو الحرة وكأنها ملكية خاصة له، على قاعدة التمثال؟ وبرز عدد من الاقتراحات من جانب أشخاص شاركوا في جولة سيرا على الأقدام تحت شعار "إنهاء استعمار بروكسل". إنه جمهور ليس مغرما كثيرا بالملك السيئ السمعة، لكن النقاش يعكس ما يجري في المجتمع البلجيكي. وفي أعقاب أسابيع من الاحتجاجات العالمية التي نجمت عن وفاة جورج فلويد، وهو أمريكي من أصول أفريقية، أصبحت بلجيكا واحدة من العديد من الدول الأوروبية التي تدقق في تاريخها عن كثب. وتم تشويه تماثيل ليوبولد الثاني أو حتى إزالتها في العديد من المدن، وأعلن وزيرا التعليم في البلاد (لكل مجتمع لغوي وزيره الخاص) عن خطط لجعل تدريس التاريخ الاستعماري جزءا من المنهج الإلزامي. كما وافق البرلمان الاتحادي على تشكيل لجنة لدراسة تلك الحقبة. ويُقّدر مؤرخون أن عدد سكان الأراضي الشاسعة الواقعة في وسط أفريقيا ربما انخفض إلى النصف، وهو انخفاض بما يصل إلى 10 ملايين شخص، في عهد إدارة ليوبولد الثاني خلال الفترة من 1885 إلى 1908. وتم التوثيق جيدا للفظائع التي ارتكبها المسؤولون الذين أجبروا الكونغوليين على استخراج أكبر قدر ممكن من المطاط. فقد تم قطع الأيدي كعقاب وتم تدمير قرى وجرى اختطاف أزواج مقابل فدية. وأصبحت تلك المنطقة الغنية بالموارد في وقت لاحق "جمهورية الكونغو الديمقراطية"، بعد إعلان الاستقلال في 30 حزيران/ يونيو عن بلجيكا قبل 60 عاما، وحتى اليوم . لكن الندوب التي خلفتها الحقبة الاستعمارية عميقة. وقال بينفينو ماتومو، وهو ناشط من منظمة المجتمع المدني الكونغولية (لوتشا) لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "الملك ليوبولد الثاني، بالنسبة لي، هو مجرم وناهب (للثروات) .. لقد دمر الاستعمار البلجيكي المجتمع الكونغولي". وذكرت إيونيس إيتاكا، العضو بمنظمة لوتشا، إن الاستغلال الذي بدأ في عهد ليوبولد الثاني وضع سابقة سامة للنخب الحاكمة التي أتت من بعده. وإلى يومنا هذا، حتى تحت الحكم الكونغولي، يتم استغلال المعادن الثمينة مثل الذهب والألماس والكوبالت والكولتان إلى جانب شعب البلاد، من قبل الحكومات والميليشيات الفاسدة، وشركات التعدين المحلية والأجنبية. ويقع الزبائن في جميع أنحاء العالم في نهاية سلسلة الإمداد هذه، ويستخدمون الكوبالت أو الكولتان، في أجهزة الحاسوب المحمول أو الهواتف المحمولة، سواء بعلمهم أو بدون. ولا يطالب الشباب الكونغولي فحسب بتغيير من قيادة دولتهم، بل يرغبون أيضا في أن تتحمل بلجيكا المسؤولية عن تاريخها. ويطالب ماتومو بأن تعترف القوة الاستعمارية السابقة بالجرائم وأن تطلب العفو وتدفع تعويضات. ويقول أيضا إنه يتعين على بلجيكا إعادة الأعمال الفنية المسروقة. وبالنسبة لبعض الشباب البلجيكي من السود، تعد تماثيل ليوبولد الثاني إهانة لهويتهم التي تضاعف تجارب العنصرية الهيكلية. وتقول مارجريت 20 عاما ل (د.ب.أ) خلال مظاهرة مناهضة للعنصرية في بروكسل في يونيو: "هذه هي المشكلة أساسا. يرى الشعب البلجيكي أنه من الطبيعي أن يكون لديهم تماثيل لشخص مثل ذلك.. إن كفاحنا، مثل تاريخنا، لا يهمهم، لكنه مهم لنا". وبالنسبة لجماعة "ميموار كولونايل" التي تنظم جولة السير على الأقدام، ما زال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به "للبلاد حتى تتأقلم مع ماضيها". وتقول نبيلة - وهي متطوعة في تلك الجماعة ل (د.ب.أ): يمكن العثور على "دعاية" تعود إلى الحقبة الاستعمارية في "الأماكن العامة والكتب المدرسية والإعلانات والروايات الهزلية المصورة " وفي أماكن أخرى عديدة. وتقول إن كل هذا يغذي العنصرية والتمييز. ولقيت مغامرات "تان تان" هي سلسلة من الروايات الهزلية المصورة، الشهيرة في البلاد انتقادات بسبب الرسوم القائمة على أسلوب الوصاية للشعب الكونغولي. وبالمثل، فإن تقاليد البلجيكيين الذين يرسمون أنفسهم باللون الأسود في محاكاة لشخصية "زوارتي بيت" الخيالية، مساعد سانتا كلوز، يثير الدهشة. وتتفق الأممالمتحدة مع الكثير مما تقوله "ميموار كوليكتيف". وفي العام الماضي، قامت مجموعة من الخبراء بالتحقيق في الأمر وأعطت تعليمات لبروكسل للقيام بالمزيد من الإجراءات للتكفير عن ماضيها. ووجدوا "دليلا واضحا على أن التمييز العنصري مستوطن في المؤسسات (البلجيكية)" وأنه كان هناك القليل من الفهم العام لكيفية أن يؤدي ذلك إلى "الاستبعاد المنهجي من التعليم والتوظيف والفرص". وبالطبع، لا يفضل الجميع إعادة كتابة كتب التاريخ. وتقول نبيلة إن بلجيكا لديها عدد من جماعات الضغط المؤثرة التي تمثل أولئك الذين خدموا في الإدارات الاستعمارية وما بعدها. لكن في الأسابيع القلائل الماضية، قالت حركة "نيشن" اليمينية المتطرفة إنها وجدت نفسها "وحدها تقريبا في اتخاذ موقف سياسي قوي بالكلمات وكذلك بالعمل من أجل الدفاع عن تاريخ (بلجيكا) وتراثها"، وعقدت العديد من الأحداث "لحماية" تماثيل ليوبولد الثاني من التخريب. لكن مجريات الأمور يمكن أن تتغير ، وفقا لزعيم الحركة المناهضة للاستعمار، أليو بالدي. وأضاف بالدي 26 عاما ل (د.ب.أ): "يضطر الجميع الآن لاتخاذ موقف .. هذا أمر طيب".