تحل اليوم الأحد، الذكرى ال 150 على افتتاح قناة السويس، التي بدأت أعمال حفرها في عام 1859، واستمرت لمدة 10 سنوات، قبل افتتاحها في 16 نوفمبر 1869، بحفل أسطوري حضره أباطرة وملوك العالم وقريناتهم. وترصد «الشروق» في التقرير التالي، قصة قناة السويس من المحاولات الأولى لحفرها وحتى تأميمها في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بالاستناد إلى كتاب «تاريخ مصر عبر العصور - الجزء الثالث»، للدكتور محمد ناصر قطبي. المحاولات الأولى كانت المحاولات الأولى لربط البحر الأحمر بالنيل ومنه إلى البحر المتوسط، في عهد الملك سنوسرت الأول من الأسرة ال12، حينما شُقت ترعة من خليج السويس عبر البحيرات المارة إلى أحد الأفرع الشرقية لدلتا النيل. وبدأت القناة في العمل، بعد إعادة تطهيرها في عهد الملكة حتشبسوت التي تنتمي للأسرة ال18، فكانت سفن الملكة الآتية من بلاد "بونت" والمحيط الهندي تصل إلى نيل الأقصر عبر القناة الموصلة من خليج السويس إلى بحيرات المرة ومنها إلى فرع "البلوزي" الشرقي لدلتا النيل، في نقطة قريبة من القناة الحالية، ومنها إلى تل بسطة (الزقازيق حاليا) ثم تصل السفن عبر النيل جنوبا إلى الأقصر.
وفي عهد الأسرة ال 19، أعيد فتح القناة في فترة حكم الملك سيتي الأول وابنه رمسيس الثاني، قبل أن تُغلق ويعاد فتحها مرة أخرى في عهد الملك نكاو الثاني من الأسرة ال77، نظرا لرحلاته البحرية الكبيرة حول أفريقيا والهند. وخلال فترة الاحتلال الفارسي الأولى، وبالتحديد في عهد داريوس الأول من الأسرة ال 27، وبطلميوس الثاني (285-246 ق.م)، أعيد تطهير القناة، وعمل بعض الأباطرة الرومان في عصر الاحتلال الروماني لمصر، وهما تراجان (98-117 ق.م) وهادريان (117-138 ق.م)، على تجديد الطريق بتطهير القناة الرابطة بين البحر الأحمر والنيل. وفي تاريخ مصر الحديث، أعيد تجديد القناة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، بتنفيذ والى مصر في عهده عمرو ابن العاص، قبل أن يعيد السلطان العثماني مصطفى الثالث (1757-1774) تطهيرها مرة أخرى.
وخلال فترة احتلاله لمصر (1798-1801)، حاول نابليون بونابرت إعادة تدوير الفكرة بتوصيل البحر الأحمر عند السويس بقناة تتجه شمالا إلى البحر المتوسط مباشرة، لتستوعب السفن الكبيرة الحديثة والتي يعجز مجرى نهر النيل عن استيعابها، لكن الفكرة توقفت في عصر نابليون لاعتقاد خاطئ بأن مستوى الماء في البحر الأحمر مرتفع عشرة أمتار عن مستوى الماء في البحر المتوسط. قناة السويس الحالية وفي العصر الحديث تبين لحكام مصر في عهد محمد علي باشا، أهمية ربط ميناء السويس بميناء الإسكندرية لتشجيع وتنمية حركة التجارة العالمية المارة بمصر؛ لذلك عمل عباس باشا على تأمين الطريق السويس البري وتنظيم حركة القوافل من السويس إلى الإسكندرية والعكس، قبل أن يقنعه مستشاريه الفرنسيين بتنفيذ المشروع الذي اقترحه الفرنسي فرديناند دليسبس، وهو ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط بواسطة قناة تتجه شمالًا من السويس تكون عريضة وعميقة بشكل كاف لتسمح بمرور السفن الحديثة الكبيرة، التي أصبحت الوسيلة الأساسية للتجارة البحرية في منتصف القرن التاسع عشر.
المشروع الفرنسي مشروع القناة الذي تبناه الفرنسيون قوبل بالمقاومة من الإنجليز، نظرًا لأن المشروع يلمس صميم اهتماماتهم؛ فكان هدف الإنحليز هو السيطرة على الطريق إلى الهند عبر مصر لضمان اتصالهم بمستعمرتهم الكبرى ومصالحهم هناك، لذلك فلم يرغب الإنجليز أن يسيطر الفرنسيون على هذا الطريق بقناتهم الجديدة، فنشروا شائعات تفيد بأن مستوى مياه البحر الأحمر أعلى من البحر المتوسط، ما قد يسبب فيضان وطوفان يمنع إنشاء القناة ويهدد الملاحة فيها إن تمت. الشائعات كذبتها مبادئ علم الطبيعة، فمياه البحر الأحمر متصلة بمياه البحر المتوسط عبر الخط الواصل بين باب المندب والمحيط الهندي ثم المحيط الأطلسي وصوًلا إلى البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق، وحسب نظرية الأواني المستطرقة فإن المياه المتصلة ببعضها البعض يجب أن تكون في مستوى واحد.
وحاول الإنجليز عرقلة تمويل المشروع، ولكن دليسبس الذي كان يعمل نائب القنصل الفرنسي بمصر سعى لكسب الحصول على امتياز المشروع بتوطيد علاقته بحاكم مصر الجديد الوالي محمد سعيد باشا، فنمت صداقة قوية بينهما حتى كسب "ديلسيبس" ثقة الباشا الجديد، فمنحه حق امتياز مشروع شق قناة السويس، وهو حق امتياز لمدة 99 عامًا، تعود القناة وشركتها بعده إلى الملكية المصرية. وبعد موافقة السلطان العثماني باسطنبول على شروط المشروع بدأ التنفيذ في عام 1859، وتكفلت مصر بشق ترعة مياه عذبة من النيل إلى مدينة الإسماعيلية، لتوفير مياه الشرب للأعداد الكبيرة من العاملين بالمشروع، كذلك تعهدت الحكومة المصرية بتوفير عشرات الآلاف من الأيدي العاملة المصرية بشروط قاسية، وعند اعتلاء الخديوي إسماعيل كرسي الحكم عمل على تعديل الشروط لصالح مصر، وبعد انتهاء المشروع في عام 1869، أقيمت مراسم افتتاحه بعهد الخديوي إسماعيل، في مهرجان حضره قادة العالم منهم امبراطور النمسا والمجر القيصر فرانس يوسف.
دور القناة في التاريخ الحديث مع انتهاء مشروع قناة السويس، أصبحت مصر مقصدًا لطمع وسيطرة القوى العظمى، على رأسها بريطانيا -الذي يمثل لها المشروع طريق الربط بينها وبين مستعمرتها الكبيرة في الهند- فعندما تأزمت مشكلة ديون مصر في عهد الخديوي إسماعيل بعد افتتاح القناة، سارع رئيس وزراء بريطانيا دزرائيلي للحصول على كل الأسهم المصرية في شركة قناة السويس مقابل مبلغ زهيد لم يتخط ال 4 ملايين جنيه، في صفقة مجحفة استغل خلالها حاجة الحكومة المصرية للمال لسداد أرباح ديونها التي لجأ إليها الخديوي إسماعيل لتنمية مصر.
تأميم شركة قناة السويس في عام 1956، ورغم أن عودة شركة قناة السويس لمصر كان سيتم بعد 12 عامًا، مع نهاية فترة الامتياز ال 99، أقدم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب شاركت فيها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ركزوا فيها على مهاجمة مدن القناة، في سبيل الاستيلاء على مجراها الملاحي.
وبعد انسحاب القوات الغازية بضغوط من قوى عالمية في ديسمبر 1956، وبعد تطهير القناة من بقايا الحرب، وإعادة افتتاحها في عام 1957، أصبحت القناة ملكًا لمصر، وأصبحت كذلك هدفًا استراتجيًا فى الحروب، مثلما حدث فى نكسة 1967، التى أدت إلى إغلاق القناة لعدة سنوات إلى أن افتتحت مرة ثالثة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1975. بعد ذلك، استقرت الملاحة في قناة السويس خاصة بعد اتفاقيات كامب ديفيد، التي أدت إلى السلام مع إسرائيل وانسحاب الأخيرة من شبه جزيرة سيناء.