بالصور.. محافظ المنوفية يفتتح مسجد "الجامع الشرقي" بعد تطويره بالجهود الذاتية    انخفاض جديد في سعر جرام الذهب عيار 21 بمنتصف التعاملات.. كم يسجل الآن؟    وزير المالية: حوافز لجذب القطاع الطبي الخاص لتوفير خدمات الرعاية الصحية    «العالم يقف على أطراف أصابعه».. ردود الفعل على التوتر الإسرائيلي الإيراني    تعرف على موعد الاجتماع الفني لمواجهة الأهلي ومازيمبي    الأهلي يواجه أويلرز الأوغندي في أول لقاءاته ببطولة ال«Bal»    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    كاسيميرو: ساورتني الشكوك حول رحيلي عن ريال مدريد عند بكاء أنشيلوتي    ضبط عاطلين بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالإسكندرية    ضبط عاطل متهم بالتنقيب عن الآثار أسفل مسكنه في القاهرة    "مدير مشروع قوى عاملة مصر"يطالب بإفساح المجال لطلاب المدارس التطبيقية للالتحاق بالجامعات التكنولوجية    الداخلية تكشف حقيقة سرقة أحد المبانى التابعة لإحدى محطات القطار بالإسكندرية    نقابة الموسيقيين تنعى صلاح السعدني: فقدنا قيمة فنية كبيرة    رئيس الوزراء يستعرض تقريرا حول خطة وزارة الثقافة لتفعيل مخرجات الحوار الوطنيّ    "أساليب جديدة مُتعددة التخصصات في المُمارسة الأثرية" تدريب من منحة اليونسكو في بولندا    دعاء يوم الجمعة مكتوب.. «اللهمّ افتح لنا خزائن رحمتك»    رئيس جامعة القاهرة يستعرض تقريرًا عن تقدم تخصص الصيدلة في تصنيف QS الإنجليزي    196 عمارة بمدينة بدر لسكن موظفى العاصمة الإدارية بنسبة تنفيذ 98.5%    اتفاقية بين تيدا وشين فنج لإنتاج ألياف البوليستر والفايبر جلاس باقتصادية قناة السويس    بمشاركة وزير الشباب.. الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يطلقان أكبر ماراثون رياضي    نجمة يد الأهلي: هدفنا الفوز بكأس الكؤوس.. ومواجهة بريميرو صعبة    "الانتداب البريطاني انتهى".. رسائل نارية من محمود عاشور لبيريرا    قانون التأمين الموحد وموازنة وخطة 24/ 25 على مائدة مجلس النواب.. ووزيرا المالية والتخطيط يعرضان البيان المالى للموازنة والخطة الإثنين.. وخطة النواب: 5.2 تريليون جنيه إيرادات متوقعة بمشروع الموازنة    توريد 799 طن قمح لصوامع وشون القليوبية وحصاد 15 ألف فدان    هل الخميس المقبل إجازة رسمية؟.. الموعد الرسمي لعطلة عيد تحرير سيناء 2024    وزير الخارجية يعقد جلسة مشاورات سياسية مع نظيرته الجنوب إفريقية    هل يعود الأحد يوم عمل للموظفين «أون لاين» من المنزل؟.. الحكومة تحسم الجدل    قضايا القليوبية في أسبوع| المؤبد لشقيقين قتلا مواطنًا بعد سرقته .. الأبرز    إلغاء تحليق رحلات البالون الطائر بالبر الغربى لشدة الرياح صباحا بسماء الأقصر    CNN: إسرائيل تحتاج لدعم كبير من الحلفاء للدخول في حرب شاملة بالشرق الأوسط    بولندا تعلن إقلاع مقاتلات لتأمين مجالها الجوى خلال هجوم روسى على أوكرانيا    بايدن يدرس إرسال أسلحة جديدة بأكثر من مليار دولار لإسرائيل    10 مايو.. تامر عاشور والعسيلي بحفل شم النسيم    تحطم طائرة عسكرية روسية ومصرع أحد أفراد طاقمها    أعراض التهاب الجيوب الأنفية على العيون.. تعرف عليها    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    قافلة طبية مجانية لفحص وعلاج أهالي «سيدى شبيب» شرق مطروح.. السبت المقبل    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    "الزمالك مش أول مرة يكسب الأهلي".. إبراهيم سعيد يهاجم عمرو الجنايني    ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بفستان قصير.. والجمهور يغازلها (صورة)    20 مدرسة فندقية تشارك في تشغيل 9 فنادق وكفر الشيخ وبورسعيد في المقدمة    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء فتاة حياتها بحبة الغلة في أوسيم    مخرج «العتاولة» عن مصطفي أبوسريع :«كوميديان مهم والناس بتغني المال الحلال من أول رمضان»    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    وزير المالية يعرض بيان الموازنة العامة الجديدة لعام 2024 /2025 أمام «النواب» الإثنين المقبل    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 19 أبريل 2024.. «الدلو» يشعر بصحة جيدة وخسائر مادية تنتظر «السرطان»    «التوعوية بأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي لذوي الهمم».. أبرز توصيات مؤتمر "تربية قناة السويس"    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    «العشرية الإصلاحية» وثوابت الدولة المصرية    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحميد الثاني والجامعة الإسلامية
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 11 - 2019

بعد أن وقع السلطان عبدالحميد الثانى على اتفاقية سان ستيفانو كما شرحنا فى المقالة الماضية، فقد أدرك الورطة التى أصبحت الإمبراطورية العثمانية بها، ذلك أن مساحة الإمبراطورية أخذت تتضاءل بعد خسارة بلدان شمال إفريقيا ومصر وأجزاء كبيرة من وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا. أمام هذه الخسائر قرر عبدالحميد أن يدعو إلى إنشاء الجامعة الإسلامية لتكون كيانا معبرا عن كل المسلمين حول العالم، كما أنها كانت فرصته الأخيرة لتكتيل المسلمين حوله قبل فوات الأوان.
قام الخليفة بحملة تطهير لكل من شك أن لديه فكرا أو ميلا نحو الثقافة الغربية، وقد شملت حملة التطهير هذه بمساعدة من جهاز المخابرات العثمانى كبار موظفى الدولة والمثقفين والطلبة وأفراد من الجيش والشرطة. كان موقف عبدالحميد من الفكر القومى العربى واضحا، فقد رأى أنه فكر غربى تخريبى يهدف إلى ضرب وحدة المسلمين والقضاء على هويتهم متهما الإنجليز والفرنسيين بتخريب عقول المصريين والشوام عبر نشرهم للفكر القومى!
***
اعتمد الخليفة فى فكرة الجامعة الإسلامية على خمسة محاور رئيسية شكلت سياسته حتى نهاية فترة حكمه بحسب ما أورده الصلابى فى كتابه سالف الذكر فى المقالة السابقة:
أولا: التقرب من العلماء والمثقفين المسلمين، وفى ذلك فقد كان من أكثر الشخصيات التى حاول استمالتها إلى فكرة الجامعة الإسلامية هو جمال الدين الأفغانى، وقد رحب الأخير بالفكرة وتحمس لها كثيرا وكتب عن السلطان عبدالحميد متغزلا فى شخصيته القوية ورؤيته الثاقبة وعلمه الواسع، ولكن ما لبث التقارب وأن تحول إلى خلاف كبير حول شكل هذه الجامعة الإسلامية، فقد أصر الأفغانى على استعادة الديمقراطية وحاول إقناع عبدالحميد بضرورة استعادة دور البرلمان فمن شأن ذلك أن يدمج الشعوب الخاضعة للحكم العثمانى من مسلمين وغير مسلمين، من عرب وأتراك وألبان ويونانيين وأرمن وغيرهم فى عملية صنع القرار ومن ثم ضمان وحدة الخلافة العثمانية، لكن عبدالحميد رفض الفكرة بشدة، حيث لم يرغب أبدا أن يشاركه أحد فى الحكم مدعيا أن الديمقراطية هى وسيلة غربية للقضاء على حكمه، ورأى الاكتفاء بنشر الهوية الإسلامية من خلال التعليم دون أى بعد سياسى! لم يقف الأمر عند هذا النحو، لكنه فعل مع الأفغانى كما فعل مع كل من عارض حكمه ففى مذكراته اتهم عبدالحميد الأفغانى بأنه «مهرج»، بل وادعى أن المخابرات العثمانية حصلت على معلومات تفيد بأن الأفغانى يتعاون مع الإنجليز لإسقاط الخلافة! قام عبدالحميد بتركيز كل السلطات فى يده ولم يقبل أن يكون هناك برلمان نصفه من المسيحيين واليهود كما طالبه الأفغانى! (انظر مرجع الصلابى الصفحات 34 و35)!
ثانيا: التعريب، فقد قام السلطان عبدالحميد بتعريب العلوم وإدخال اللغة العربية كلغة رسمية للحكم بجانب التركية وكذلك التركيز على تدريسها فى المدارس فى سائر أنحاء الدولة العثمانية. فقد رأى عبدالحميد أن اللغة العربية هى لغة القرآن وهى الأقرب لفهم أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم فقد استثمر كثيرا فى تعريب الأتراك وهو ما تسبب فى تزايد الشقاق بينه وبين المثقفين الأتراك وباقى النخبة التركية التى رفضت الاستغناء عن لغتها الأم.
ثالثا: التعليم، فى بداية عهده حاول عبدالحميد إرسال الطلاب إلى أوروبا لتلقى العلوم، ولكنه استغنى عن تلك السياسة سريعا تحت دعوى أن الطلاب الذين أرسلهم إلى أوروبا يفسدون ويشربون الخمر! لكن وبنظرة على نص مذكرات عبدالحميد، ترجمة الدكتور محمد حرب والصادرة عن دار نشر القلم فى دمشق عام 1991 وتحديدا فى الصفحة 183 السبب الحقيقى لتوقفه عن إرسال البعثات إلى الخارج وفى ذلك يقول نصا «كذلك بعض الشبان الذين أرسلتهم إلى أوروبا درسوا وتعلموا الثورة الفرنسية ووجهوا اهتمامهم بها، دون أن يدرسوا أسباب انفجار هذه الثورة. وهؤلاء كانوا عند عودتهم إلى البلاد يعتبرون أن حب الوطن هو الدعوة لإثارة الشعب والعمل على تمرده. ولم أكن أسمح بهذا. كانوا فى ذلك الوقت يهاجموننى بمثل ما كان يهاجمنى به أعداء البلاد الخارجيين من وصفهم لى بصفة السلطان الأحمر {فى اتهام له بالدموية} وكنت أمنع انتشار هذه الأفكار التى أتوا لنا بها من الخارج»!
لم يكتف عبدالحميد بإيقاف البعثات الدراسية، ولكنه فرض نظام رقابة صارم على محتوى المواد الدراسية التى يتم تدريسها فى مدارس الدولة العثمانية، فقد أزال منها كل ما يتعلق بالفكر القومى، بل زاد على ذلك باستبعاد كل مواد الأدب الغربى والتاريخ العام، مكتفيا بتدريس التاريخ الإسلامى فقط! كما قام بالتركيز على العلوم الشرعية والفقه ومنع اختلاط الجنسين فى المدارس، وفرض على المرأة الزى الشرعى والذى تمثل فى «النقاب»، وفى 3 أكتوبر 1883 أصدر بياننا حكوميا يعطى المرأة شهرا كمهلة للالتزام بالزى الإسلامى عند خروجها من المنزل، بحيث لم يكتف فقط بفرض النقاب ولكنه أصر على منع النقاب الشفاف، أو النقاب المطرز! وقام بإنشاء قوات ضبطية (أشبه بالشرطة الدينية) للتعاون مع الشرطة النظامية فى ضبط السيدات المخالفات! قبل وفاته بعاما واحدا كتب فى مذكراته سالفة الذكر (ص 184) مدافعا عن كل هذه السياسات، بأنه كان كالبستانى الذى يحمى الأشجار من الحشرات الضارة (الأفكار الضارة)!
***
رابعا: قام عبدالحميد كذلك بإنشاء مدرسة خاصة لأبناء العشائر والقبائل الكبيرة فى شبه الجزيرة العربية حيث درس لهم فيها بالإضافة إلى الفقه والسنة وباقى العلوم الدينية واللغة العربية، اللغة التركية والفرنسية وبعض علوم الإدارة والمحاسبة تمهيدا لاستمالة العشائر والقبائل العربية لحكمه بحيث يكون أولادهم نواة نخبة جديدة غير علمانية تساند حكمه. كما أنشأ العديد من المعاهد الإسلامية، حتى أنها وصلت إلى افتتاح المدارس الإسلامية فى بكين لخدمة مسلمى الصين.
وأخيرا: فقد عمل السلطان عبدالحميد أيضا على إنشاء خط سكة حديد الحجاز ليصل بين دمشق والمدينة المنورة بطول 760 كم لتسهيل حركة التجارة والحج وربط سائر أنحاء ما تبقى من الدولة العثمانية. كانت توجيهات عبدالحميد للجنة الإشراف على المشروع بعدم الاستعانة بخبراء ومهندسين أجانب إلا فى أضيق الأحوال، ومع ذلك لم تستعن اللجنة بأى من الأجانب حيث قام المصريون بالإشراف على المشروع من الألف إلى الياء وبلغ عدد العمال فى المشروع بحلول عام 1908 7500 عامل وتكلف المشروع ما يقرب من 4.3 مليون ليرة عثمانية، قام المصريون والهنود بالتبرع بجزء كبير من هذا المبلغ فى حملة تبرعات كبيرة فى مصر قادتها جرائد المنار واللواء والرائد بالإضافة إلى عدد كبير من الأعيان والشخصيات السياسية فى القاهرة والإسكندرية والهند. استغرق المشروع 8 سنوات (بدأ العمل به عام 1900)، ورغم أن الخطة الأصلية للمشروع كانت تقضى بالوصول إلى مكة، إلا أن الشريف حسين حاكم مكة تحت لواء الخلافة العثمانية خشى على حكمه إذا ما وصل المشروع إلى مكان نفوذه، فتوقف الخط عند المدينة المنورة، إلا أن الخط تدمر بشكل شبه كامل مع الثورة العربية التى قادها الشريف حسين ضد العثمانيين فى 1916.
الحقيقة أن السلطان عبدالحميد كان موفقا فى فكرة إنشاء خط السكة الحديد، وكذلك فى سعيه نحو الاستثمار فى الهوية الإسلامية، لكن أدواته وبكل أسف كانت شديدة التخلف الحضارى، كذلك فإن البارانويا التى أصابته من أى فكرة متعلقة بالغرب (مثل الديمقراطية) أضاعت على الدولة العثمانية فرصة ذهبية لاحتواء مواطنيها، ويا ليته كان قد استمع إلى الأفغانى بدلا من اتهامه له بالعمالة، والقضاء على كل ملامح التحضر تحت دعوى مقاومة المؤامرات الغربية! ما فعله عبدالحميد تسبب فى نفور العرب والمسلمين منه فى معظم أنحاء الدولة، ولم يتبق من الدولة العثمانية مع نهاية عهد عبدالحميد سوى الأراضى التركية الحالية بالإضافة إلى شريط حدودى ضيق فى منطقة الحجاز! فى أثناء كل ذلك كانت الحركة الصهيونية تتحرك بقوة بحملات تهجير لليهود نحو فلسطين وهو ما حاول عبدالحميد مقاومته ولذلك مقالة لاحقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.