في مثل هذا اليوم -18 أكتوبر- رحل الكاتب المصري جمال الغيطاني عام 2015، هو من مدينة جرجا في صعيد مصر بمحافظة سوهاج عام 1945، بدأ حياته المهنية كرسام في المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاج ثم اتجه للعمل في الصحافة من خلال مؤسسة أخبار اليوم. من المؤلفات الهامة للراحل الغيطاني كتابه عن الحرب المصرية الاسرائيلية "المصريون والحرب من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر"، ورحل الغيطاني في نفس الشهر الذي وقعت فيه حرب عام 1973 بين الجيش المصري والاسرائيلي في السادس من أكتوبر والمسماه بحرب الغفران عند الطرف الآخر. عمل جمال الغيطاني كصحفي في منطقة الجبهة لفترة وذلك مكنه من معايشة الأوضاع ونقلها لنا خلال هذا الكتاب، الذي كانت أولى جملة إهداء للشهداء "إلى من استشهدوا لكي نبقى وتبقى مصر"، وتستعرض الشروق سطور من هذا الكتاب في ذكرى رحيل جمال الغيطاني الرابعة. البعث عنوان الفصل الأول في الكتاب الذي يعبر عن العودة من جديد عن الروح التي بُعثت لتحقيق النصر، وبدأ حديثه من عام 1969 –وهي الفترة التي عرفت بحرب الاستنزاف- في مدينة بورسعيد، وشعر في وصف حال المدينة التي كانت تبدوا عليها مظاهر الحرب بوضوح. قال: "ترى رائحة الحرب في كافة تفصيلات الحياة التي بدأت تتخذ شكلاً مختلفاً ومغايراً فوق الرؤوس خوذات الحرب الحديدية وعدد كبير من وسائل النقل التي يضفي عليها جو الحرب غموضاً خاصاً ربما هذه الوسيلة تحمل ذخيرة لموقع ما وربما تنقل مدداً أو تمضي لموقع متقدم لتخلي بعض الجرحى، والليل يتنفس الدخان ورائحة الباروود... هذه الرمال امتدادها الطبيعي أرض سيناء هنا نواجه العدو بدون حواجز طبيعية...". وانتقل من وصف المكان إلى وصف الأشخاص الجنود والمقاتلين بمختلف رتبهم، وتحدث عن القناصة ورجال الصاعقة، وقال: "في موقع متقدم هناك رجال الصاعقة والقناصة حيث يجري إعداد جديد للمقاتل المصري يناسب ظروف المواجهة مع العدو...". ثم أخذنا في رحلة مع بعض الجنود واصفاً إياهم وطارحاً معلومات عنهم هذا من الصعيد وذاك من الوجه البحري، وأجرى معهم بعض الأحاديث الجانبية خلال رحلته على الجبهة، وتحدث معهم عن مشاعرهم مع أهلهم وكيف يتواصلون معهم وماذا تحوي خطاباتهم المرسلة إليهم على فترات مختلفة. وبين بورسعيد والسويس وشدوان ومدن أخرى ظل يتجول بنا في سطور الفصل الأول وبين شخوص مختلفة من المقاتلين، كما تحدث عن الجنود الاسرائيليين الذين يستطيعون رؤيتهم وهم يتغيرون مع زملاءهم الجدد ومن علامات ما يستطيع الجندي المصري تمييز هذه التغيرات ومواقيتها. الحياة مستمرة تحت هذا العنوان انتقل الغيطاني من الحديث عن الجنود والمقاتلين وحياتهم على الجبهة وحياتهم في رسائلهم الخاصة إلى السويس وأهلها ومن يعيشون بها، فقص للقاريء حكاية "عم حسن" بائع الصحف الذي أتى بأهله من السودان بعد وفاة الأب والأم ليقيم في منطقة السويس بعد أن عمل بحاراً لسنوات لف خلالها العالم شرقاً وغرباً ولكنه عاد لتراب وطنه. ومن حسن إلى نبوية فتاة ذات 19 عاما، توفى والدها وهُجرت أسرتها بينما رفضت هي مغادرة المدينة وظلت تعمل في محل والدها تبيع الحلوى والمياة لمن تبقى، وينتقل بينا إلى عايدة التي تعمل ممرضة تاركة أهلها في محافظة بني سويف ولا تذهب إليهم إلا كل شهرين، وهي الأخرى صغيرة في السن فلم تتجاوز ال30 بعد. وفتحي والكابتن غزالي وسمير والرفاعي وغيرهم من الشخصيات التي تحمل داخلها قصص مختلفة، ولكنهم يتفقون جميعاً على حب مدينة السويس بكل ما فيها. الطريق إلى أكتوبر وبدأ حديثه في هذا الفصل بتاريخ 30 يونيو 1970 وقال: "شهدت سقوط أول طائرات الفانتوم بواسطة صواريخ الدفاع الجوي المصري فوق ساحات الرمال الشاسعة ففي هذا اليوم ساد بين المقاتلين شعور بالبهجة...". ونقل صورة للتعامل مع الأسرى خلال هذه الفترة، فقال:"أما الطيارون الاسرائليون الذين اخترقوا سماءنا بسرعة فقد سقطوا على الأرض مجردين بكل ما حاوطهم من الأمان، وبدت في هيئتهم الذعر الانساني في أقبح صوره، حاولوا الاختباء في الجبل ولكن استسلموا وأول ما طلبوه الماء... ولكن المقاتل المصري يعلوا فوق مستوى اللحظة ويبرز الجانب الحضاري فيه فتمتد يده بكوب الماء أو قطعة خبز للأسير...". وقال الغيطاني إنه خلال الفترة الممتدة من شهر يوليو 1970 وحتى نهاية أغسطس توالت سقوط طائرات الفانتوم بالصواريخ المصرية، ونقل في سطور هذا الفصل التجهيزات التي سبقت الحرب والاستعدادات القتالية وحرب الطائرات التي كانت دائرة. الاقتحام "الله أكبر..الله أكبر" هكذا بدأ الكلمات الأولى في فصله الأخير من الكتاب، واصفاً المشهد:" على امتداد الجبهة شمخت القواعد كأهرامات صغيرة ومنها انطلقت ألسنة اللهب تدفع الصواريخ لتحمي عبور قواتنا إلى الشرق وتزيح الخطر عن سمائنا الفسيحة المنبسطة الصافية...". وشرع خلال هذا الفصل في شرح تفصيلات بعض النقاشات والأحداث الواقعة على الجبهة خلال حرب أكتوبر والحالة النفسية للمقاتلين بمختلف رتبهم وأنواعهم والسعادة التي ملئت أعينهم ورسمت على وجوههم. كما وصف شكل الأسرى الذين سقطوا خلال الأيام الأولى من الحرب قائلاً:"منكسوا الرءوس عيونهم زائغة وممزقوا الملابس وملامحهم غريبة، خليط متناقض من الأرض المحيطة بهم... والأوصل الخفية لكل هؤلاء يبدون كمجموعة سائحين يمشون في حي شعبي خليط كالعصابة أو قطيع، يسيرون بجوار بعضهم ويطلبون الماء والسجائر في شراهة وكانت تقدم إليهم...". وختم حديثه بفصل عنوانه "رسائل مقاتل من أعماق سيناء" تحدث فيه عن أحد الجنود المصريين نقل فيه رسالته إلى الشعب المصري، متحدثاً عن استعدادات الحرب ومواقفها وشعورهم بها.