صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، «اقتل الزومبي»، أحدث مؤلفات الروائي وليد علاء الدين، وغلاف الفنان ياسر نبايل، والكتاب هو الجزء الثالث من «واحد مصري». في هذا الكتاب أنت أمام حالات عدة للمقال، بين حديث شخصي للقراءة العامة، وآخر فيه ملمح الدرس والتفصيل، وبين الأدبي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي. فنون عدة قد تظن فيها نوعًا من التباين، لكن النسق الفكري خلفها في أغلب الأحيان واحد. الناقد الدكتور علاء الجابري. وفي مقدمة المؤلف للكتاب جاء: ليس دفاعًا عن "المقالة" ولا تقليلًا من شأن "الصحافة"، ولكنه نقاش أفتحه أملًا في أن يعفيني من الانهماك في كتابة تقديم لكتاب مقالاتي الثالث الذي أضعه بين يدي القارئ الكريم. لا أعرف سببًا لربط "المقالة" بالصحافة سوى غياب المعلومة عن القراء، لذا فإنني أشير إليها هنا من باب التوثيق، وعلى كل مهتم أن يتبع سبيله؛ إذا كانت أول صحيفة في العصر الحديث ظهرت في فرنسا سنة 1632م وهي الصحيفة التي حملت اسم "الأخبار اليومية"، ثم تلتها بشهور قليلة صحيفة "لاغازيت"، فإن الفرنسي ميشيل دي مونتين (رائد فن المقالة) نشر كتاب مقالاته الذي أسماه "محاولات" سنة 1580م، أي قبل حوالي خمسين سنة من تاريخ ظهور الصحافة. والبعض يرى أن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر" كان الأسبق إلى هذا الفن، وإن كنت أرى شخصيًا أن الأمر بقليل من سعة الصدر والذهن يتسع لاعتبار ما كتبه الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو طاليس أول تأسيس لفن المقالة، المقالة من تلك النوعية التي تُكتب لتعيش. ومهما اختلفت تعريفات الباحثين والمؤرخين لكل من المجالين: المقالة والصحافة، ومهما كان الدور الذي لعبته الأخيرة في نشر وازدهار الأولى، تظل المقالة أقدم في ظهورها من الصحافة، والأهم؛ تبقى قادرة على العيش والاستمرار والبقاء منفصلةً عنها، بوصفها أحد فنون الأدب المعترف بها كالملحمة والقصيدة والمسرحية والقصة والسيرة والرواية. ولا دليل بعينه يمكن تقديمه على ذلك، ولكن مراجعة لأي قائمة من المفكرين في الشرق أو في الغرب، ممن تأسست نظرياتهم وتطورت أفكارهم ونضجت رؤاهم ووصلت كلمتهم إلى العالم، ستثبت أن النسبة العظمى من كتاباتهم تمت عبر مقالات، سواء نُشرت مسلسلة ومتتابعة في الصحافة أو ألقيت منفصلة في صورة محاضرات خاصة أو عامة. فلا نبالغ إذن إن قلنا إن المقالة هي الشكل الأدبي الأكثر تأثيرًا في تكوين عقل العالم. ونخطئ خطأ فادحًا إذا نحن حمّلنا فن المقالة تبعة ما تنشره الصحف من مقالات ضعيفة ذات أفكار متهافتة وصياغات ركيكة لا تملك من نسغ الحياة ما يحفظ بقاءها لليوم التالي على جفاف حبر صحيفتها. فالمقالة بالأساس مُنتج فكري وضعه صاحبه في صورة أدبية، والأدب لا يُكتب إلا لكي يعيش في النفوس ويُزهر في العقول. ليس في كلامي السابق ما أخشى أن يعتبره القارئ غرورًا من الكاتب بذاته، لأنني لم أورده وصفًا لما أكتب، وإنما إيضاحًا للسياق العام الذي أكتب فيه، منذ اخترت في أعقاب ثورة المصريين في الخامس والعشرين من يناير 2011، كتابة المقال كوسيلة للتساؤل والاستفهام والنقاش ومحاولة الشرح والتحليل والاقتراح بوصفها بعض حقوق المواطنة أمارسها قدر استطاعتي في كل ما أراه يصب في صالح المصريين. واخترت لذلك واحدة من أكثر الصحف المصرية انتشارًا ليس سعيًا وراء الشهرة.. وإنما سعيًا وراء الناس (والفارق بين الأمرين كبير). وأخيرًا فقد أوردت هذا الكلام -المخايل بالغرور من أجل أمر أهم، وهو تفسير إصراري على جمع ما أكتب وأنشر من مقالات في كتب دورية، وفي هذا أقول كما قلت في تقديمي لكتابي السابق: ليس في ضميري من وراء جمع مقالاتي في كتب، سوى أن تكون جزءًا من تركتي لولديّ أحمد ويوسف كمندوبين عن المستقبل، يمكنهما مراجعتها حين الوصول إلى سنّ تسمح لهما بذلك، فإن لم أكن وقتها موجودًا فعلى الأقل تكون أفكاري وكلماتي، يتفقان ويختلفان ويشتبكان معها ليخرجا بأفكارهما التي تناسب زمنهما وطموحهما وحياتهما، التي أسأل الله أن تكون أفضل بكثير من حياتنا وزماننا، كما أسأله أن أكون مخطئًا في أفكاري التي صغتها في مقالة "اقتل الزومبي" التي جعلتها عنوانًا لهذا الكتاب، والمستوحاة من كلامهما. وليد علاء الدين، شاعر وكاتب مصري، مواليد 1973م، حاصل على ماجستير علوم الإعلام من كلية الإعلام جامعة القاهرة. صدر له: في الرواية: "ابن القبطية"، و"كيميا"، وفي الشعر: "تردني لغتي إليَّ"، و"تُفسر أعضاءها للوقت"، وفي المسرح: "العصفور" الحاصلة على جائزة الشارقة للإبداع العربي، و"72 ساعة عفو" الحاصلة على جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي، و"مولانا المقدَّم". وله إصدارات في أدب الرحلة، منها: "خطوة باتساع الأزرق". وفي الدراسات الثقافية يُصدِر سلسلة "واحد مصري" التي يناقش من خلالها واقع الحياة المصرية بأدوات التحليل الثقافي، بهدف "تحرير مواضع الخلاف، وتبسيط مفردات الإشكال صدرت منها الأجزاء الثلاثة: "خطاب مفتوح لرئيس مصر، وشجرة وطن دين، واقتل الزومبي".