الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث فى جلسة محاكاة الحكومة فى اليوم الأول لمؤتمر الشباب السابع مساء الثلاثاء الماضى بالعاصمة الإدارية الجديدة وقال: «الأجهزة الأمنية دائما فى صف الرأى العام، وهى تؤكد أن أى إجراءات يجب أخذ إجراء مقابل لها، لكى يخفف من تبعاتها». قد يبدو هذا الكلام غريبا على أسماع كثيرين، وقد لا يبدو مفهوما لآخرين، ولذلك سنحاول تفصيله، لنفهم كيف يمكن للأجهزة الأمنية أن تقف فى صف الرأى العام، فى حين أن الانطباع السائد هو العكس أو ربما أنها تقف فى صف مصالحها أولا، ولا تفكر إلا انطلاقا من الجوانب الأمنية فقط!!. لنضرب مثلا، حينما تقرر الحكومة على سبيل المثال رفع أسعار الوقود، فإن أجهزة الأمن، كانت تعارض هذا الإجراء دائما منذ عقود طويلة وحتى هذه اللحظة. السؤال المنطقى: ولماذا ترفض الأجهزة الأمنية مثل هذا القرار، هل لإيمانها بفكر المعارضة، أم لأنها اشتراكية ثورية مثلا؟!. الإجابة لا هذا ولا ذاك، ولكن الأمر ببساطة، هو أن الأجهزة الأمنية، تتخذ قراراتها بناء على تقارير ومعلومات وبيانات ووقائع محددة، وفى حالة رفع أسعار الوقود، فإن هذه الأجهزة تعتقد أنه سيفجر موجة غضب شعبية عارمة، وبالتالى تقدم توصياتها للمستوى السياسى الأعلى بعدم رفع أسعار الوقود، فى حين أن دور الوزارات الاقتصادية أن تدعو لخفض الدعم حتى يتوقف عجز الموازنة، وكل وزارة تقدم تصوراتها طبقا لتخصصها، والذى يتخذ القرار هو رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، الذى تتجمع أمامه كل السيناريوهات والتفاصيل. وأظن أن هذا السيناريو تكرر عشرات، بل ربما مئات المرات ما بين 17 و18 يناير 1977، وحتى الشهر الماضى. فى عام 1977، اتخذ الرئيس الأسبق أنور السادات قرارا برفع أسعار العديد من السلع الرئيسية والوقود، بنسب ضئيلة جدا، ويومها انفجرت الانتفاضة الشعبية الشهيرة، التى أسماها السادات «انتفاضة الحرامية»، لكنه رغم ذلك، تراجع عن قرار زيادات الأسعار، واتهم اليسار وقتها بأنه المسئول عن تحريك وتأجيج الشارع ضده. قيل وقتها إن أجهزة الأمن أيضا نصحت الرئيس السادات بعدم زيادات الأسعار، لكنه لم يستمع لنصيحتها، وكان ما كان من تخريب وتكسير وعمليات قبض واسعة النطاق ضد غالبية النشطاء السياسيين، خصوصا من اليسار والناصريين. أخطر ما فى تداعيات أحداث 1977، أنها صارت كالشبح المخيم فوق كل الحكومات التى جاءت بعد ذلك الوقت، وحتى عام 2014 جميعا، جبنت عن اتخاذ قرارات الإصلاح الاقتصادى، وترشيد الدعم، وإيصاله لمستحقيه فى الخبز والوقود والسلع الرئيسية. وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع عملية الإصلاح الاقتصادى وأولوياتها، ومن الذى يفترض أن يتحمل نتائجها الأساسية، فإنه يحسب للرئيس السيسى أنه اتخذ مجموعة من القرارات فى هذا الصدد، لم يستطع السابقون اتخاذها. أذكر أنه فى يوليو 2014، اتخذ الرئيس القرار الأول الرئيسى بخفض الدعم عن الوقود، بعدها بيوم اجتمع بمجموعة من الكتاب والصحفيين، وكنت واحدا منهم، وسألت الرئيس يومها عن: غياب الرقابة على الأسواق ومواقف السيارات، مما قد يؤدى إلى تأثر أو انخفاض شعبية الرئيس؟! إجابة الرئيس وقتها كانت واضحة: أنا لا أنظر إلى موضوع الشعبية، ولو كنت أنظر للأمر من هذه الزاوية، ما اتخذت هذا القرار أبدا. وللحقيقة فقد كان صادقا، لأن عملية الإصلاح استمرت وهى تعنى استمرار خفض الدعم عن الوقود والسلع الغذائية، وهو ما أدى إلى آثار اجتماعية واقتصادية، شعر بها الجميع تقريبا. لكن الرئيس لم يتراجع ويؤكد دائما أنه، لو فكر بنفس الأمر ما اتخذ القرار أبدا. البعض يقول إن أجهزة الأمن فى كل مكان وزمان، ترفض قرار أى حكومة بزيادة أسعار أى سلعة، لأن ما يشغلها هو حفظ الأمن فى الشارع، فى حين أن رفع الأسعار، قد يؤدى إلى تظاهرات، وبالتالى فإن شعار أى جهاز أمنى فى العالم هو: لا نريد أى تظاهرات، حتى لو كانت مؤيدة لنا!. إذا من المنطق أن تعارض أجهزة الأمن فى معظم الأحيان اتجاه أى حكومة لزيادة أسعار السلع المختلفة، هى لا تنشغل بمشكلة عجز الموازنة، أو غياب الاستثمارات، هى مهمومة فقط، بحفظ الأمن فى الشارع، حتى يعم الاستقرار من وجهة نظرها، لكن بطبيعة الحال الدول لا تدار بمثل هذه الطريقة أبدا، بل بمنطق الأولويات.