جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالقاهرة - 6 صور بالمواعيد    جامعة الإسكندرية الأفضل عالميًا في 18 تخصصًا بتصنيف QS لعام 2024    "التقديم شغال".. ننشر رابط المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2025    سوزوكي تطلق رسميًا الجيل الرابع من سيارتها سويفت الصغيرة.. صور    تخفيف الأحمال.. أول طلب إحاطة للحكومة بشأن عودة انقطاع الكهرباء -تفاصيل    الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع التجلي الأعظم في سانت كاترين    الخزانة الأمريكية تعطي الضوء الأخضر لفرض عقوبات على إيران    تعليق الدراسة في سلطنة عمان بسبب اضطراب الأحوال الجوية (فيديو)    "مش مبسوطين من التحكيم".. عضو الزمالك يكشف المكافآت بعد الفوز على الأهلي    "لاعب يمكن أن يسافر".. موقف مصابي الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    كرة يد - البرونزية الثانية.. سيدات الأهلي تحصدن برونزية السوبر الإفريقي    بتهمة القتل والبلطجة.. إحالة المتهمين بإنهاء حياة الشاب أيمن في كفر الشيخ للجنايات    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان محمد عبده    ريهام حجاج عن انتقادات صدفة: "ربنا سبحانه وتعالى مش كل الناس اتفقت عليه"    قضية فتاة الشروق.. أستاذ بالأزهر يوضح حكم البشعة العرفية    بالصور- محافظ القليوبية يتفقد مشروعات قطاع الصحة بمدينتي بنها وطوخ    أسباب ارتفاع الكوليسترول لدى الأطفال وكيفية علاجه    وزير الخارجية يزور أنقرة ويلتقي نظيره التركي.. نهاية الأسبوع    الأوراق المطلوبة للتقديم في المدارس المصرية اليابانية ولماذا يزيد الإقبال عليها ؟.. تعرف علي التفاصيل    محمد فريد: تنفيذ إصلاحات جريئة يساهم فى استعادة ثقة المستثمر الأجنبي والمحلي    محافظ القليوبية يناقش آلية تنفيذ قرار رئيس الوزراء بشأن تحديد رسوم النظافة    يشهد 5 توقفات، تفاصيل نسخة الدوري السعودي في الموسم الجديد    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    طلائع الإسماعيلية تشارك في المؤتمر الوطنى للنشء بالإسكندرية (صور)    بالمر يشكر تشيلسي على منحه الفرصة للتألق في الدوري الإنجليزي    البورصة تعلن إيقاف التداول على 8 أسهم لمدة 10 دقائق لتجاوزها نسبة ال5% صعودا أو هبوطا    مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادثتين بالشرقية    إصابة شخصين باختناق بسبب تسرب الغاز داخل شقتهما بالقليوبية    الكورنيش اختفى.. الشبورة المائية تغطي سماء الإسكندرية (صور)    ضبط 7 آلاف قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط تعاقد خلال 24 ساعة    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    جامعة كفر الشيخ: تشجيع البحث العلمي التطبيقي لحل المشكلات المجتمعية    ننشر اسماء المكرِّمين من الأئمة والواعظات ومديري العموم بالأوقاف    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    يعود بعد غياب.. تفاصيل حفل ماهر زين في مصر    الفيلم المصري «شرق 12» يشارك في «أسبوعي المخرجين» بمهرجان كان السينمائي    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    تفاصيل المرحلة الثانية من قافلة المساعدات السادسة ل "التحالف الوطني" المصري إلى قطاع غزة    الرئيس السيسى يستعرض مع رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية جهود تهدئة الأوضاع بالمنطقة.. اللقاء أكد على رؤية مصر بضرورة وقف إطلاق النار فى غزة.. والتشديد على أهمية التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    "الصحة": ميزانية التأمين الشامل تتحقق تغطية ل 70% من المواطنين (فيديو)    14 مشروعا كمرحلة أولى لتطوير موقع التجلى الأعظم بسانت كاترين    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    بذكرى ميلاده.. محطات فنية فى حياة الموسيقار عمار الشريعى    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    الصادرات السلعية المصرية تسجل 9 مليارات و612 مليون دولار بنسبة ارتفاع 5.3%    معلومات الوزراء: الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    الصين تؤكد ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لب البطيخ
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 04 - 2019

جلست صاحبتنا تنزع اللب من قطعة تلو الأخرى من قطع البطيخ حتى انتهت تماما من عملها ، أخذت منديلا ورقيا من علبة المناديل الموجودة أمامها ومسحت النقاط الحمراء التي تناثرت على جنبات الطبق ودفعت به إلى زوجها قائلة: بالهنا.
بعد لحظة صمت استوعب فيها المدعوون هذه اللفتة غير المألوفة من زوجة لزوجها انفجرت عاصفة من السخرية في وجهيهما ، قال أحدهم مخاطبا الزوج: يا بختك يا عّم، وحدثّتها صاحبة المنزل قائلة: حاتبوظي أجوازنا علينا، وسارت كل التعليقات من بعد في الاتجاه نفسه. لم يستوعب أحد من الجالسين كيف يمكن لامرأة أن تنوب عن زوجها في نزع لب البطيخ، لا بل وتمارس هذا العمل البسيط جدا وهي في قمة الحرص والصبر والأناة والأريحية. قالوا ذلك، وذكروا كل الصفات الممكنة: الحرص والصبر والأناة والأريحية وسقطت منهم صفة حب، إنها تفعل ما تفعله بمنتهى الحب، وفي ثنايا هذا الحب تكمن كل التفاصيل.
***
آه لو يعلم هؤلاء كم انتظرت صاحبتنا اللحظة التي تصبح فيها مدام فلان، تنتسب إليه.. تُحسَب عليه.. تكون له، وعندما نقلت الدبلة من يدها اليمنى إلى يدها اليسرى أحست بأن كيانها كله اختُزل في تلك اليد أو أن كل كيانها صار يخدم يدها، هذا العصب يحركها، وهذا الشريان يغذيها، وهذا القلب يناجيها، وهذا الكل يباركها. في أول مرة ناداها بائع جوّال بلقب مدام وما كان قد مضى على زواجها سوى بضعة أيام فرحت جدا واشترت من البائع كل برتقاله ، أرادت أن تكافئه لأنه اكتشف سرها الذي هو ليس بسر، عرف أنها صارت في عصمة الرجل الوحيد الذي أحبته فاشترت منه كل البرتقال. هل فضحتها سعادتها؟ هل العازبات لا يشترين البرتقال ؟ هل رأى دبلتها ؟ ليس مهما كيف عرف، المهم أن وضعها الاجتماعي تغير وأن التغير انتقل من خانة البطاقة إلى أفواه الجميع ، والدليل هو بائع البرتقال.
***
صارت عروسا في الأربعين من عمرها، وكان يمكن أن تكون عروسا في الخمسين أو حتى أكثر، ما تبقى فيها نَفَس كانت سوف تنتظر فمن يتعب من الانتظار هو من يملك البديل، وبالنسبة لها لم تكن هناك بدائل، إما هو أو لا أحد. لم تمر بلحظات الضعف التي تمر بها كل البنات، لم تحّن إلى أغنية دقوا المزاهر ولا إلى الثوب الأبيض والطرحة المصنوعة من الدانتيلا يرفعها صاحب النصيب، فبدون من تحب كل نغمة نشاز والثوب والطرحة مجرد قماش، وبعد ذلك يستكثرون عليها أن تخلي له البطيخ من اللب؟ تغاضت عن فضول الجالسين حولها وسألت زوجها والصّب تفضحه عيونه: عاوز تاني ؟ رد مكايدا الآخرين: ياريت، فعاودت مهمتها المقدسة وغرست السكين في قطعة جديدة من قطع البطيخ.
***
أشواك وأشواك سارت عليها بل سارا عليها معا حتى ارتبطا، كانا ينزعان الأشواك من طريقهما كما هي تنزع له اللب من البطيخ، هل لأجل ذلك هي تحب هذا المظهر من مظاهر الاهتمام بزوجها أكثر من أي مظهر آخر؟ لا .. بالتأكيد لا.. فشتان الفرق بين أشواكهما ولب البطيخ، كان زواجهما على المحك فعلا، وتراءى لها في لحظة معينة أن العالم كله يقف ضدهما وأنها أبدا لن تكون له، وبدأت توطّن النفس على ذلك وتقنع نفسها بأنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة . ثم فجأة ودون مقدمات لامست عصاَ سحرية كل الأشواك فألانتها، دخله الشهري المحدود، أمه غير الودودة، نظارته السميكة، ميوله الانطوائية، كل ما كان غير مقبول انقلب وضعه فصار مقبولا. تأكد الأهل من تصميم ابنتهم فتعاملوا مع العريس الذي فرضته عليهم بمنطق: نص العمى فانطلق الدخان الأبيض وأقيمت الأفراح.
***
تستغرب جدا أن يكون التعبير عن الحب مادة للسخرية، وكأن الجفاء طبيعة ثانية للإنسان، وهذا الانطباع لم يتولد لديها فقط من تندر الأصدقاء على واقعة لب البطيخ، لكنه انطباع عام تكّون لديها من تعطُل حاسة الحب في المجتمع. ماذا ؟ هل توجد حاسة جديدة تسمى حاسة الحب؟ نعم هي تظن ذلك، وتشعر أن هذه الحاسة لا تقل أهمية عن باقي الحواس الأخرى، هذا إن لم تكن أهمها على الإطلاق، فالرؤية تلزمها حاسة إبصار، واللذة تلزمها حاسة تذوق و... الإنسانية تلزمها حاسة حب، بل إن بين الحب والإنسانية علاقة تواقف فإما يحضران معا أو يغيب كلاهما. تحمد الله حمدا كثيرا أنها في كل ما تفعل لا تتوقف عن تنشيط هذه الحاسة واستدرارها، في العمل.. في الصداقة.. في البيع والشراء.. في كل شيء. تضحك في سرّها وهي تذكر كيف أسلمها انحيازها المطلق للحب إلى هلاوس كادت توردها مورد الجنون. تتسمّر أمام فيلم دعاء الكروان وتتوحد معه، حتى إذا أتى مشهد الختام وكاد الخال ينفذ جريمته انقضّت عليه في لمح البصر ونزعت منه سلاحه لينجو الباشمهندس ويتزوج آمنة ويعيشا في تبات ونبات. لماذا يقسو بعض الكّتاب علي أبطالهم؟ و ما بالهم يلّوعون أحبّتهم بدعوى الواقعية؟ يا مثبت العقل والدين! همس زوجها في أذنها بكلمة فخضبّت حناء قانية وجهها لثوان، أحست بنظرات مَن حولها تلسعها وتستقصي سرهما، لكن هيهات فسرُهُ معها هو سرهُ معها.
***
همّت المضيفة أن ترفع الفاكهة استعدادا لتقديم بعض المشروبات الخفيفة فاستمهلتها صاحبتنا، ربتت على كتف زوجها برفق مشيرة إلى قطعة بطيخ مغرية تقف وحيدة في الطبق الكريستال الذي يتوسط المائدة، وسألته: أجيبها لك يا حبيبي ؟ هز رأسه نافيا وأحاط ظهرها بذراعه فتوسدته متكاسلة وعادت به إلى الوراء، ثم غابت عن الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.