سعد رفض سداد مصر للديون التركية إلا باللجوء لمحكمة العدل الدولية سعد كمفاوض وقف على التفاصيل الجزئية أكثر منه سياسيا قدم الحلول العملية تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات. ثالث كتاب نتجول بين صفحاته هو «سعد زغلول يفاوض الاستعمار..دراسة في المفاوضات المصرية البريطانية 1920- 1924» للمفكر والمؤرخ الكبير المستشار طارق البشري، يصحبنا فيه ليستدعي أمامنا صورة واضحة لما كانت عليه مصر في هذه السنوات المهمة، 1920 إلى 1942، نجح في العودة إلى جذورها وتأصيلها، وحرص على أن يسلط الضوء على معالمها، واتبع منهجا يثير الانتباه؛ فهو يطرح التساؤلات ويتولى الإجابة عنها؛ لما في ذلك من تشويق وإقصاء للتقليدية. كما يضع لنا شخصية سعد زغلول تحت المنظار، ويبين كيف أثر فيه التكوين القانوني من حيث المناورات والإصرار أمام التعنت البريطاني على أن استقلال مصر لا يتجزأ. اعتمد البشري في استقاء معلوماته على مصادر ومراجع متنوعة: الوثائق الإنجليزية غير المنشور والمحفوظة بوزارة الخارجية البريطانية، والوثائق المصرية المنشورة، والتقارير والمذكرات والخطب والدوريات، وما كتبه المصريون والإنجليز المعارصرون للأحداث وأيضا المحدوثون. ولمزيد من الاستفادة ألحق البشري مؤلفه بملاحق اختصت بوثائق عام 1924 بشأن مفاوضات سعد زغلول- ماكدونالد وما يتعلق بها. الكتاب صدرت طبعته الأولى في 1977 والثانية في 1998، وصدرت طبعته الثالثة عن دار الشروق في 2012، ويقع الكتاب في 215 صفحة، من القطع المتوسط، وكتبت مقدمته الدكتورة لطيفة سالم، مقرر اللجنة العلمية لمركز الدراسات التاريخية بدار الشروق ***** في هذه الحلقة يؤرخ البشري ويرصد، فشل المباحثات بين سعد-ماكدونالد، محللا من واقع قراءة محاضر المفاوضات، أسباب فشل المفاوضات، وكذلك طبيعة شخصية سعد زغلول القانونية كمحامي، التي انعكست على المفاوضات، وكذلك الفارق بين سعد كمفاوض في المسألة السودانية والمسألة المصرية. ويستعرض البشري نقاط الخلاف الرئيسية بين المفاوضين سعد-ماكدونالد، والتي أدت إلى فشل المفاوضات، بعد التوتر الذي أصابهما في الجولة الأخيرة من المفاوضات. بين سعد وماكدونالد : التقى سعد زغلول، رئيس وزراء مصر، ورامزي ماكدونالد، رئيس وزراء بريطانيا، ووزير خارجيتها في صباح 25 سبتمبر 1924. الحديث الذي بدأ بتبادل الأسف حول ما وقع من أحداث أبعدت روح التفاهم، وتبادل العزم على إعادة حسن النية، استغرق كل الوقت في الحديث عن السودان، ليتبادل الطرفان الاتهام بالمسئولية عن أحداث السودان الأخيرة (أحداث أغسطس 1924). واتهم سعد حكومة السودان بالعداء لمصر، فيما اتهم ماكدونالد حكومة مصر بتمويل الاضطرابات في السودان، وخلال الحوار حاصر سعد، ماكدونالد حول رسالته التي اتهم فيها الحكومة (المصرية) بأنها غير شريفة، حتى اضطر ماكدونالد أن يؤول عبارته، لينتهي الاجتماع الأول بغير نتيجة. ملاحظات على سعد كمفاوض : ويورد البشري مؤرخا ملاحظاته حول الاجتماع الأول، بأن سعد وعلى الرغم من أنه أبدى صلابة شديدة إزاء وجهة النظر البريطانية وشجاعة واضحة في إدانة السياسية البريطانية في السودان، إلا أن هذا الموقف كان في ظاهره القوة وباطنه الضعف، لأنه استغرق في مناقشات أحداث السودان دون أن يظهر أية رؤية سياسية مستقبلية، حيث غلب على حديثه الكلام المجرد عن الحقوق، وهو ما يفسره البشري بكون زغلول محاميا، يقف عند حدود التفاصيل الجزئية أكثر منه سياسيا، يقدم الحلول العملية. ويفسر البشري، موقف سعد أثناء المفاوضات مع ماكدونالد، بعد مطالعة محاضر الجلسات، بأن سعدا لم يكن على استعداد في مباحثاته لأسس المسألة السودانية، لتبقى المسألة معلقة بين الرجلين في مباحثاتهما، حيث كان سعد ينظر إلى مسألة السودان كأمر مرجأ بعد تصفية المسألة المصرية، تصفية تقبلها الحركة الوطنية المصرية، ليضيف هذا شاهدا جديدا على غموض الفكر السياسي المصري وتضاربه بشأن المسألة السودانية. يرصد البشري الاختلاف الواضح في موقف سعد عن القضية المصرية، فقد بدا سعد قويا واضحا مصادما، أخبر ماكدونالد بأن الدار داره وأن مصر للمصريين، وعندما أخبره ماكدونالد بأن هناك أمرا واقعا، قال سعد إن الأمر الواقع أمر شاذ، وإنه يريد استقلال مصر، وإن هناك جيشا للبريطانيين في مصر يريد انسحابه، وألا تمارس الحكومة البريطانية أي نوع من الرقابة على الحكومة المصرية، وأن المستشارين المالي والقضائي يتعين سحبهما، وأن تتنازل بريطانيا عن دعواها حماية الأجانب والأقليات وقناة السويس، ليبدو طريق المطالب المصرية مغلقا في وجه الاتصال المصري البريطاني. ملاحظات بريطانية على المفاوضات : وطرح ماكدونالد خلال اللقاءات، مسألتين، هما موقف حكومة سعد العدائي من الموظفين الأجانب، ومسألة الديون التركية المضمونة بالجزية المصرية. ومسألة الجزية المصرية، هي ديون يستحقها دائنون أوروبيون استدانت منهم تركيا في القرن ال19 بضمان ما تدفعه مصر إليها من جزية، وبعد انفصال مصر عن تركيا، كانت وجهة نظر الحكومة المصرية أنها لم تعد مسئولة عن دفع الجزية، فأودعت أقساط الديون المستحقة في حساب خاص لعرضه على محكمة العدل الدولية، وهوا ما أغضب بريطانيا، مع رفض سعد الدفع بغير اللجوء لمحكمة العدل الدولية، بدا واضحا فشل المحادثات بين الرجلين (سعد-ماكدونالد)، وهو ما أظهره التوتر الواضح بينهما.