95.5% من سيدات قنا وسوهاج لا ترثن ميراثهن الشرعى.. والعائلات تستخدم الرضوى لترضيتهن بمبلغ مالى رقية سليمان.. سيدة صعيدية مات والدها قبل أن تبلغ شهرها الأول، ولم تحصل على ورثها فى أراضى العائلة حتى الآن، حيث خاضت صراعا طويلا مع أبناء أخواتها فى المحاكم والجلسات العرفية، وصلت إلى القطيعة واتهامها بالجنون. «ميراثى من والدى يبلغ 8 أفدنة، لكن أشقائى الأولاد وأبناءهم رفضوا وأصروا على عدم توريثى، ولجأت للقضاء بعدما فشل كبار القرية والعمد فى حل مشكلتى ليقاطعنى بعدها الجميع واتهمونى بالجنون» تقول رقية بعد رحلة طويلة من الصراع لم تحصل خلالها على حقها فى ميراث والدها. أما نوال، إحدى سكان قرى مركز دشنا، فتقول إن والدها ترك لها أرضا زراعية تقدر بنحو 12 فدانا، لكن أشقاءها رفضوا منحها حقوقها بحجة عدم خروج الأرض إلى عائلة أخرى، واكتفوا بإعطائها ما يسمى «بالرضوى»، أى أنه يعطوها سنويا جزءا قليلا من محصول القمح كبديل، وحين فكرت فى تقديم شكوى لأخذ حقها تحدوها بمقولة: «أنت كده حتعادى العيلة كلها، مينفعش توقفى قدام أخواتك الرجالة». لم تكن حالة رقية ونوال هما الوحيدتان فى قنا التى يرفض أشقاؤهن إعطاءهن الميراث، فعدم توريث النساء ظاهرة منتشرة فى الصعيد، وفى قنا ينتشر ما يسمى بالرضوى كبديل للسيدات فى حقهن بالميراث، فهناك الكثير من العائلات الكبرى ترفض فكرة توريث السيدات بحجة العادات والتقاليد والموروثات الشعبية التى سيطرت لسنوات طويلة بعدم حق السيدات فى أخذ ميراثها فى الأراضى حتى لا تخرج لعائلات أخرى مع زواج الفتيات. وأكدت دراسة حديثة للدكتورة سلوى مهدى، أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب قنا، بعنوان «ميراث المرأة فى صعيد مصر بين الواقع والمأمول» أن نسبة 95.5% من سيدات قنا وسوهاج لا ترثن ميراثهن الشرعى، وأن العائلات تستخدم ما يسمى بالرضوى لترضية الأنثى بمبلغ مالى عوضا عن الميراث. وأرجعت الدراسة، التى حصلت «الشروق» على نسخة منها، قبول «الرضوى» لأن مطالبة النساء بالميراث ترتبط بالعيب وأن النساء لا تلجأن إلى المحكمة إلا نادرا لأنهن مقتنعات بأن المحكمة تأخذ فترة طويلة كما يرى البعض الآخر أن الاتجاه إلى المحكمة عادة ما سبب قطيعة وعداء مع الأهل، كما أشارت الدراسة إلى أن نسبة 52% من الإناث ترى السبب فى عدم التوريث يرجع للموروثات فى حين أن 44 % أرجعن السبب إلى غياب نص قانونى يعاقب المستولى على الميراث. وأكدت عنايات السيد، المقرر السابق للمجلس القومى للمرأة بمحافظة قنا، أن العرف المجتمعى ما زال يحرم المرأة فى ميراثها رغم صدور حكم قضائى فى عام 2017 بأحقية المرأة فى الميراث ومعاقبة المستولى على الميراث بالسجن 6 أشهر وغرامة من 20 ألفا إلى 100 ألف، إلا أن الكثير من السيدات يرفضن تقديم شكاوى أو اللجوء إلى القضاء بحجة العيب، كما أن كثيرين فى العرف السائد يستبدلون الميراث بالرضوى أى يعطون القليل من الأموال لشقيقاتهم كبديل لأخذ الميراث، مشيرة إلى أن ارتفاع نسبة التعليم جعلت البعض يرفضن الرضوى ويطالبن بحقهن الشرعى. «كلما كانت المرأة أكثر تعليما كلما كانت الأكثر مطالبة بحقها الشرعى ورفضت العرف الاجتماعى المخالف للشرع، وكلما تدنى تعليمها كلما قبلت بأى شىء يفرض عليها»، يقول مدرس علم الاجتماع بكلية آداب قنا الدكتور السيد عوض، موضحا أن معظم حالات عدم التوريث قد تكون بين الإخوة غير الأشقاء، فتعدد الزوجات وكثرة الأبناء يعتبر من الأسباب الشائعة لعدم توريث النساء، هذا بالإضافة إلى أن الأرض الزراعية مقدسة عند أبناء الصعيد، ولذلك يلجأ الكثير إلى تطبيق ما يسمى بالرضوى كبديل عن توريث الأرض حتى لا تخرج بعيدا عن العائلة عند الزواج.