تهيمن الطبيعة على جزء كبير من مملكة بوتان الصغيرة الواقعة في منطقة الهيمالايا بين الهند والصين. تقع البلدات الصغيرة والطرق المتعرجة وحقول الأرز بصورة متفرقة في أنحاء منحدراتها الجبلية وأوديتها. وتماثل مساحة المملكة البوذية مساحة هولندا، ويبلغ تعداد سكانها نحو 800 ألف نسمة. وتغطي الغابات أكثر من ثلثي أراضي بوتان، ووفقا لدستورها، يجب أن تبقى نسبة الغابات دائما أكثر من 60 %. وفي ظل عدم وجود صناعة في بوتان تقريبا يمكن الحديث عنها، تعد المملكة الدولة المحايدة الوحيدة في العالم السالبة بالنسبة لانبعاثات الكربون. وتعد نيتها البقاء كذلك، مثلما تم الإعلان عنها خلال مؤتمر باريس للمناخ عام 2015، التعهد الأكثر طموحا الذي تعلن عنه أي دولة خلال المؤتمر. وتزعم بوتان أنها ليست فقط محايدة كربونيا، ولكن سلبية كربونيا، حيث أن غاباتها تستهلك 3 أضعاف ما تنتجه من أكسيد الكربون. وبكلمات أخرى، فإنه لا توجد دولة في العالم يمكن اتهامها بالمسؤولية عن التغير المناخي أقل من بوتان. ومع ذلك، فإنها أكثر عرضة لتداعيات ذلك. ويقول داشو بينجي، السفير السابق في الأممالمتحدة والمستشار السابق لملك بوتان، والذي يتولى ابنه حاليا العرش: "أستطيع أن أرى بعيني التغير الذي طرأ على الثلوج في أعالي الجبال". ويضيف: "هناك بعض القمم التي كانت مغطاة بصورة جميلة بالثلوج، الآن هي مجرد حجارة سوداء"، موضحا أن مستويات المياه المنخفضة في أنهار بوتان واختفاء الأنهار الجليدية واضحة لكل من يهمه الأمر. وتستخدم بوتان بصورة حصرية الطاقة الكهرومائية لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وهي محاولة تثري أيضا خزائن الدولة، حيث إن معظم الكهرباء يتم بيعها للهند. وتستخدم بوتان جريان النهر لتوليد الطاقة الكهرومائية بدون سدود كبيرة، مما يعني أن توليد الطاقة يعتمد على تدفقات النهر الموسمية. وهذا يعني أنه خلال فصل الشتاء، يجب استيراد الكهرباء من الهند بتكلفة كبيرة وبدون ضمان أنه لم يتم توليدها من محطات توليد الطاقة بالفحم. وقد أصبح تدفق النهر الضعيف أكثر شيوعا بسبب نضوب مصادر المياه في أنحاء المملكة، وذلك وفقا لما يقوله الخبراء. ويقول ثينلي نامجيل، مدير إدارة التغير المناخي بحكومة بوتان: "يبدو أن ذلك يرجع لتغير أنماط هطول الأمطار". وأضاف: "هطول المطر في فصل الشتاء أمر مهم للمناطق الزراعية، قبل أن يبدأ المزارعون في العمل خلال فصل الربيع، حيث يتم تقليب الأرض من أجل المحاصيل، يكون هناك حاجة لبعض الرطوبة". ومن ناحية أخرى، خلال فصل الصيف؛ هناك قدر كبير من هطول الأمطار. ويقول نامجيل إن التغير في المناخ يجعل هطول الأمطار الموسمية غير متوقع، مضيفا: "عندما تمطر، تمطر بشدة وتحدث انهيارات أرضية". وبسبب التداعيات السلبية المحتملة على النظام البيئي والمجتمعات المحلية، أوصت لجنة حكومية مؤخرا بالحد من عدد محطات توليد الطاقة الكهرومائية الجديدة. ويعتقد نامجيل أنه من أجل أن تصبح المملكة أقل اعتمادا على الطاقة الكهرومائية، يتعين عليها أن تبدأ في توسيع نطاق تركيزها. ويقول ناوانج نوربو، المدير التنفيذي لمنظمة بوتان للنظام البيئي: "كل شيء في بوتان يعتمد على الطاقة الكهرومائية". ويضيف نوربو: "لا نستطيع أن نعيش بدونها؛ لأننا نحتاج إلى عائدات ونقد أجنبي"، وأوضح: "ولكن في حال كان التغير المناخي أمرا واقعيا، إذن علينا البحث عن بدائل، الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الحرارية". وأوضح: "الطاقة النظيفة، علينا أن نركز بدرجة أكبر على ذلك". ويقضي نامجيل، الذي شغل منصب كبير المفاوضين في مباحثات باريس عام 2015، إجازة لمدة عام، ولم يحضر مباحثات المناخ في بولندا في ديسمبر الماضي. وأعرب نامجيل عن عدم تفاؤله بشأن تحقيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه والمتمثل في الحد من الاحتباس الحراري لأقل من درجتين مئويتين. وحتى في حال تحقيق الهدف، قال نامجيل إن ذلك ليس كافيا لحماية بوتان. وأكمل نامجيل: "إذا نظرت للدول الأكثر فقرا، دول الجبال مثل نيبال أو بوتان، درجتان لا تعني درجتين هنا، هى تعني أكثر بكثير". وأوضح: "المناطق الجبلية تصبح أكثر دفئا عن المتوسط العالمي، لذلك المتوسط العالمي الذي يبلغ درجتين يماثل 3 أو4 درجات في المناطق الجبلية". وأشار نامجيل إلى أن إعلان بوتان الطموح في باريس في عام 2015 كان يهدف للإشارة إلى أن المملكة تريد أن تؤدي دورها، ولكن ليس دون الحصول على مساعدة الدول الأكثر ثراء. وقال: "هذا ما تقوله كل الدول الأكثر فقرا: نحن ملتزمون، ولكننا في حاجة لمساعدتكم. لا نستطيع أن نقوم بذلك بمفردنا". ولم يتوقع السفير بينجي الكثير من المؤتمر في بولندا. وأضاف: "هل هناك بالفعل أي شخص مهتم بالجزر الفقيرة أو الدول الفقيرة الصغيرة؟ لا أحد في الحقيقة يهتم بنا".