«من آمن العقاب أساء الأدب»، مقولة تراثية، تثبت صحتها كل يوم، فمن يعلم جيدا أنه سيفلت من العقوبة، لن يتردد لحظة واحدة فى التجاوز، إلا إذا كان رادعه الوحيد هو الأخلاق، وهى فضيلة، لا يجوز الارتكاز عليها دون ضوابط، لأنها نسبية تزيد عند البعض، وتقل وتصل إلى حد الانعدام عند البعض الآخر. حالة «الانفلات» التى تعانى منها الرياضة المصرية، ناتجة عن عدم وجود قوانين صارمة، تحظر تجاوز أى مسئول فى حق منافسيه، وحتى إن وجدت القوانين، فتجد صعوبة فى تطبيقها، أو إعمالها بشكل نسبى، لتطبق بحدها الأدنى على القوى، وتصل إلى أقصى مداها على الضعيف. كل الاتحادات الرياضية فى «أوروبا والدول المتقدمة»، لها لوائح واضحة ومحددة، فالجميع يعلم العقوبة حتى قبل إعلانها، بمجرد الاطلاع على النص وتطبيقه على الفعل المرتكب، أما هنا، فلدينا العديد من الحلقات المفقودة، والأسئلة التى تبحث عن حلول. هل نستطيع أن نحدد ما هى عقوبة تجاوز أى طرف من الأطراف الرياضية فى حق الآخر؟ هل نستطيع أن نذكر حالة واحدة عوقبت بسبب التجاوز؟ من واقع قانون الرياضة وليس قانون العقوبات.. بالطبع لا!. فى الوقت نفسه لا نستطيع تحديد عدد المجنى عليهم، بسبب عدم وجود ضعف المظلة التى من المفترض أن تحميهم من المتجاوزين، بسبب ترك الأمور للوائح «الضعيفة» التى تضعها الاتحادات. منذ أيام قليلة، انشغلت الأوساط الرياضية العالمية، بواقعة «تجسس» مارسيلو بيلسا المدير الفنى الأرجنتينى لنادى ليدز يونايتد الإنجليزى، على تدريبات فريق دربى كاونتى منافسه فى دورى الدرجة الأولى «الشامبيونشيب»، بإرسال أحد أفراد طاقمه المساعد لمشاهدة التدريبات الخاصة بالمنافس قبل مواجهتهما بساعات قليلة. اعتراف بيلسا بهذا التصرف، دفع نادى ليدز لإصدار بيان رسمى فيه ليدينه، معلنا أن مالك النادى التقى بنظيره فى دربى كاونتى، ليتقدم له باعتذار عن الواقعة، كما تقدم بيلسا باعتذار أيضا للمدير الفنى لدربى كاونتى فرانك لامبارد. دائما نتحدث عن فارق السنوات الضوئية مع الدول الأخرى، دون أن نعترف، بأن أحد هذه الأسباب، هو عدم تطبيق القانون «إذا وجد» على المخطئ، فالواقعة سالفة الذكر، كفيلة بأن توضح لنا الفارق الكبير، فى احترام الخصوصيات، والأمانة كما وصفها الجميع. انتفضت الأوساط الرياضية الإنجليزية والعالمية لواقعة، قد يراها البعض هنا «تافهة»، ونقف هنا مكتوفى الأيدى أمام تجاوزات دورية، قد تصل لحد السب والقذف واتهامات فى الذمم المالية، من مسئولين ضد نظرائهم فى الوسط الرياضى، فهل هذا معقول. المطلوب ليس مستحيلا، وتطبيقه وارد الحدوث، فالتعديل قائم بالفعل على قانون الرياضة؛ حيث تعقد لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، عدة اجتماعات لمناقشة تعديل بنود قانون الرياضة الحالى، بمشاركة ممثلى الاتحادات الرياضية، وأندية الدورى الممتاز، والدرجة الثانية، خبراء القوانين الرياضية، وممثلى الإعلام والنقد الرياضى. الأجواء المشحونة فى الوسط الرياضى حاليا، تشوه وعى وسلوك الجماهير، الأمر الذى يشكل خطرا حقيقيا على الرياضة المصرية، ولابد من الانتباه بعد جرس الإنذار الذى أطلقه الاتحاد الإفريقى لكرة القدم «الكاف»، بعد إقصاء الإسماعيلى من بطولة دورى أبطال إفريقيا، بسبب أحداث الشغب التى شهدتها مباراته مع الإفريقى التونسى. رسالة أخيرة لكل من يساهم فى التعديلات على قانون الرياضة الجديد، لابد من وضع آليات واضحة وصارمة، تضمن تطبيق القانون بعد إقراره، لعدم إفلات أى متجاوز من العقوبة أيا كان مركزه القانونى، سواء كان مواطنا أو مستثمرا، وإلا فالعواقب ستكون وخيمة وسيدفع فاتورتها الجميع.