انطلاق امتحانات النقل بمعاهد الغربية الأزهرية    وزير الأوقاف واللواء خالد فودة يضعان حجر أساس أول مجمع ديني ثقافي    رئيس الوزراء يشهد تصدير شحنات كبيرة من مختلف القطاعات الإنتاجية| صور    استقرار سعر الريال السعودي في البنوك المصرية خلال تعاملات السبت    رئيس الوزراء يتفقد مصنع «موبكو» لإنتاج الأسمدة بدمياط    انتخابات رئاسية في 29 يونيو في موريتانيا    دخول 44 شاحنة مساعدات وغاز إلى غزة اليوم    العربي الناصري: الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة يكشف دعمها لإسرائيل    مباراة الأهلي ومازيمبي| خروج كوكا مصابًا ونزول متولي.. وتاو يشارك بدلًا من رضا    رئيس الامتحانات: جاري استصدار أوامر الدفع لتوفير خامات تقييم للطلاب    مصرع شاب أسفل عجلات قطار بالقناطر الخيرية    براءة متهم وانقضاء الدعوى لآخر ب«خلية داعش حلوان»    نجوم المستقبل من مواهب الأوبرا بالجمهورية    تحديات العصر.. مجمع اللغة العربية ينظم مؤتمره الدولي السنوي 22 أبريل    جراح مناظير عام: مرضى السكري أكثر الأشخاص عرضه لتقرح القدم    روسيا تعلن إنشاء مركز أبحاث وإنتاج للطائرات بدون طيار والأنظمة الروبوتية    استقبال 37 جريحا ومريضا فلسطينيا في معبر رفح البري    34 مليون جنيه لتمويل 47 مشروعًا ضمن مبادرة «مشروعك» ببني سويف    الزمالك والترجي في بطولة إفريقيا لكرة اليد.. موعد اللقاء والقنوات الناقلة    السياحة والآثار تكشف حقيقة اختفاء سرير يزن طنا من الفضة بقصر محمد علي بالمنيل    «التنورة والفلكلور الواحاتي» في ختام برنامج التوعية التثقيفية بالوادي الجديد    رئيس التمثيل التجاري: مصر تُولي اهتمامًا كبيرًا بتعزيز التكامل الصناعي مع الصين    الصحة تكشف ضوابط وإجراءات أداء مناسك الحج    وصول 23 فلسطينيا من مصابي غزة للعلاج بمستشفيات جامعة أسيوط    غدًا، "حياة كريمة" تنظم قافلة طبية مجانية بقرى المنيرة بواحة الخارجة    اتحاد الكرة يستبعد إقامة ودية بين منتخبي مصر وفرنسا    كلاسيكو الأرض.. أنشيلوتي يعلن قائمة ريال مدريد لمواجهة برشلونة    تأجيل محاكمة المتهمين بقت ل سائق توك توك لسرقته بالإكراه فى القليوبية    ضبط عنصر إجرامى لإدارته ورشة تصنيع أسلحة بالأقصر    للمرة الأولى.. معهد إعداد القادة يستضيف اجتماع المجلس الأعلى لشئون التعليم والطلاب    صور.. حضور المئات من طلبة الثانوية العامة بالمراجعات النهائية المجانية    ميدو يوجه رسالة إلى إدارة توتنهام بشأن عمر مرموش    أنشيلوتي قبل لقاء برشلونة: لست متفاجئًا من الاتتقادات والكلاسيكو فرصة للفوز بالدوري    شم النسيم 2024.. اعرف الموعد وسبب الاحتفال وقصة ارتباطه بعيد القيامة    5 ملايين جنيه إيرادات أفلام عيد الفطر خلال 24 ساعة.. «شقو» في الصدارة    حكم انفصال الزوجين بدون طلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    تفاصيل استضافة محافظة جنوب سيناء للمسابقة العالمية للقرآن يوليو القادم| خاص    وزير الخارجية: جهود مكثفة من مصر لدعم غزة منذ اندلاع الحرب    وكيل «مطروح الأزهرية» يتفقد فعاليات البرنامج التدريبي للشؤون الوظيفية    تموين العاصمة: ضبط وتحريز 3.5 طن دجاج وبط مجهولة المصدر    مؤسس «أمهات مصر» تعلن مطالب أولياء الأمور بشأن امتحانات الثانوية العامة    كشف وعلاج ل1300 حالة في 6 تخصصات طبية ضمن حياة كريمة ببني سويف    مخاطرة بحرب إقليمية.. هآرتس تنتقد الهجوم الإسرائيلي على إيران    إياد نصار: بحب الناس بتناديني في الشارع ب «رشيد الطيار»    مفاجأة.. سبب عدم مشاركة صلاح السعدني في مسرحية مدرسة المشاغبين    تموين قنا: ضبط دقيق مجهول المصدر وتحرير محاضر عدم الإعلان عن أسعار الخبز السياحي    القابضة للمياه: تحديث المخطط العام حتى 2052 لمواكبة الاحتياجات المستقبلية    اقتصادية النواب: زيادة المكون المحلى خطوة جادة من الحكومة لدعم الصناعة الوطنية    الحكومة: وقف تنفيذ قطع الكهرباء عن الكنائس خلال احتفالات العيد    «يد الأهلي» يواجه أمل سكيكدة الجزائري بكأس الكؤوس    القابضة للمياه: المخطط العام ركيزة أساسية للتطوير لضمان مستقبل مستدام للخدمات    مشوفتش عشيقة المدير نهائيًا.. أقوال شاهدة في قضية رشوة أسوان الكبرى.. فيديو    فضل الذكر: قوة الاستماع والتفكير في ذكر الله    37 شهيدا خلال آخر 24 ساعة مع استمرار قصف الاحتلال لقطاع غزة في اليوم ال 197 من الحرب    كيف أدعو الله بيقين؟ خطوات عملية لتعزيز الثقة بإجابة الدعاء    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    ناقد رياضي شهير ينتقد شيكابالا وتأثير مشاركاته مع الزمالك .. ماذا قال؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفكير إمبراطوريًا
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 10 - 2018

خلال الأسابيع الأخيرة لم أحضر نقاشا جادا حول مستقبل الشرق الأوسط إلا وخرجت بانطباع لم أعهد كثيرا مثله من قبل. سياسيون «عتاقى» وأساتذة وخبراء علاقات دولية من الذين اختلطوا حديثا بأقران لهم فى الشرق، فى كوريا واليابان وباكستان مثلا، وبأقران فى الغرب أيضا، صاروا يهتمون كثيرا فى مداخلاتهم فى دوائر الحوار بأدوار «دول ورثت حضارات قديمة». مقابل هذا التطور اللافت للانتباه فى محاولات لفهم «المرحلة الثورية» الراهنة فى العلاقات الدولية، صار فى حكم المستقر فى أذهاننا أن دولا فى الغرب راحت بعد الحرب العالمية الأولى تستعير من تاريخها أساليب إمبراطورية فى الحكم وفى التوسع. استقر أيضا أن هذه الدول بعد أن اشتركت فى رسم خرائط أقاليم عديدة وإقامة نظم دولية الواحد بعد الآخر تباطأت خطواتها وتعثرت مسيراتها. قليلون بيننا هم الذين يتوقعون من فرنسا وبريطانيا مثلا تأثيرا حاسما فى المرحلة القادمة من التطور السياسى فى أقاليم كالشرق الأوسط وجنوب شرقى آسيا.
***
قمت بإجراء مقارنة ذهنية بين ما تنفذه فرنسا وما تنفذه الصين من خطط عبر سياستيهما الخارجية بهدف توسيع دائرة نفوذهما إقليميا ودوليا. سمعت الرئيس ماكرون يحلم برقعة واسعة من العالم فرانكفونية الثقافة يتجاوز عدد سكانها الناطقين بالفرنسية عدد الناطقين بأى لغة أخرى. يتخيل الرئيس الفرنسى أن الحلم سوف يتحقق فى أحسن الظروف بعد نحو ثلاثين عاما. عدت أقرأ خطة الرئيس شى تحت عنوان مبادرة الحزام والحرير لتزداد ثقتى فى أنها تعكس فكرا مختلفا وتعبر عن ذهنية أكثر طموحا وتعقيدا وتدفعها طاقة متجددة من بشر وإمكانات ونوايا إمبراطورية تتجاوز نوايا السيد ماكرون. تعود بك الخطة الصينية إلى القرن الثالث عشر، القرن الذى شهد تنفيذ ماركو بولو مشروع طريق الحرير. بدأه من إيطاليا وسار به مخترقا وسط آسيا متوجها إلى غرب الصين. لم يفته أن تكون العودة عن طريق بحر الصين الجنوبى فالمحيط الهندى. يؤكد المشروع الصينى فى طبعته المنقحة والموسعة الثقة التى يوليها المجددون فى دول آسيا لإنجازات المراحل الإمبراطورية فى تاريخ أممهم وضرورة الاستفادة منها. كلهم واعون لدرس اليابان. اليابان بانتصارها على روسيا فى مطلع القرن العشرين وبشنها الهجوم الشهير على القاعدة الأمريكية فى بيرل هاربور قرب منتصف القرن أساءت اختيار لحظة إعلان نوايا شرق يستيقظ بينما الغرب يبدل قيادته ويجدد لياقته.
***
احتاجت البشرية إلى قرون عديدة لتتشرب حضارة الغرب وثقافة الرجل الأبيض. شعوب عديدة انتهت عند نسخ مشوهة، مزيج من الغرب والشرق لا هو الغرب خالصا ولا هو الشرق صافيا. دول كثيرة معاصرة عانت مرارة الانتقال إلى الغرب لتكتشف أنها بعد مئات السنين وعديد التجارب لم تزل مشدودة إلى ماض يرفض أن ينصرف أو يتطور. بعضها كان فيه ما يكفيه من صراع الهويات التقليدية ليزيد عليه الانتقال أثقال هويات وافدة من صنع شعوب وحضارات أخرى. المواطنة لم تكن من صنع شعوب الشرق وحضاراته ولا كانت القومية. قيم جاءت مع الانتقال لم يكن لها شبيه أو قرين أو جذور فى ثقافات شعوب كثيرة. بينها قيم جاءت تهز قواعد استقرت منذ قرون. جاءت بين ما جاءت قيمة الإنسان وقيمة الحرية وقيمة الزمن. حدث هذا عندما وصلت طلائع شركة الهند الشرقية إلى شبه القارة الهندية ومنها انتقلت ومعها شحنات الشاى والأفيون إلى الصين. حدث عندما وصلت بوارج نابليون إلى الإسكندرية ونزل جنوده وعلماؤه إلى البر. حدث فى الأمريكتين يوم اكتشفهما كولومبوس ولحقت به أساطيل إسبانيا ومراكب الفارين من عنف الصراع الدينى. وقتها حمل المبشرون والجنود والحجاج رسالة من الرجل الأبيض رسالة يشهد التاريخ أنها لخصت بكل الأمانة الواجبة كذب الغرب فى تلك المرحلة الاستعمارية ونفاقه ونواياه تجاه الشعوب غير البيضاء. من هذه الشعوب ما أبيد ومنها ما استرق ومنها ما عذب وشرد ومنها ما استخدمته آلة الاستعمار ليزيد عائدها ويخدم أهدافها ويؤمن مصالحها.
***
الغرب المقيم فينا هو الآن مهدد. ومع ذلك ما زلنا نقيس بمعاييره مدى ما حققته شعوبنا العربية من «تقدم». فقر أقل وأوبئة عابرة. حققنا بالتأكيد ومعنا كثير من شعوب إفريقيا سلما نسبيا أوفر منذ أن حرم الاستعمار الغربى على القبائل الاقتتال العرفى وصراعات التوريث والقرصنة وحرم على فلول الإمبراطوريات التقليدية المهزومة أو المنكسرة تبادل شن الغارات مع كيانات فى الجوار أو منشقين محليين. بل إنه مهد لنهاية عهود كعهد المماليك فى مصر، وإن كان لصالح إمبراطورية أخرى وصالحه، ومهد لنهاية العهد الإمبراطورى فى الصين وفى الهند وفى شمال أمريكا الجنوبية، وأوقف استعدادات شعوب فى إفريقيا لإقامة أو توسيع إمبراطوريات أفريقية فى غرب القارة. استغرقت هذه الإنجازات تحضيرا وتنفيذا وقتا طويلا لافتقارها إلى تكنولوجيا متطورة فى الاتصال والنقل والمواصلات والحرب كتلك التى تتوفر حاليا للقوى الأسيوية الصاعدة.
***
أنظر حولى، أنظر هذا الصباح من موقعى العربى فى الشرق الأوسط فأرى جديدا. أرى نفوذ الغرب كقوى استعمارية ينحسر. أرى مناطق نفوذه تنكمش. أرى جماهير جامحة من أفريقيا وآسيا تجاسرت فاقتحمت حدوده وفرضت نفسها رعايا على أرضه أو معتدين على مقدساته وأرواحه. أرى حكومات من بنى جلدتنا تكاد تستجدى الغرب استعادة قوته وتجديد آلياته الاستعمارية وملئ فراغات الهيمنة فى منطقتنا. أراها حكومات على عجزها أكرم وأسخى عطاء وأراه غربا وللغرابة مترددا فى قبول العطايا. أرى الرأى العام فى الغرب لا ينظر بعين الرضا إلى جل تاريخه الاستعمارى وغير مرحب بدول تستدرجه طرفا فى صراعاتها، صراعات لا تفيد الغرب كما كانت تفيده فى الماضى عندما كان يستعمر هذه المناطق. أرى فى قلب الإقليم رؤى متناثرة وأحيانا متضاربة وكثيرا ما أراها رؤى غائمة لا توجد إلا فى مجتمعات شاخت طبقتها السياسية فكرا وبصيرة أو نضبت عقيدة وأحلاما. فى الغالب لم يعد للتاريخ عندها مكانة أو منفعة، تجاهلته جهلا أو تكبرت عليه بالنية المبيتة.
***
أرى شيئا آخر. أرى زحفا نحو هذا القلب العربى، الشرق الأوسط كبيرا كان أو صغيرا، زحف من أجل النفوذ أساسا ولكن أيضا من أجل أهداف أخرى. الزحف قادم من بعيد جدا ومن قريب جدا وفى الحالتين تدفعه وتحركه وتغذيه أفكار من تراث إمبراطورى. الزحف القادم من بعيد هو من الصين وبعده بسنوات قليلة تصل أمواج أخرى أيضا من بعيد وأقصد الهند ومعه أو فى ركابه اليابان الجديدة، ولكن أيضا مدفوعة بفكر امبراطورى. الشرق البعيد تحرك بالفعل محملا بمصالح، وليس برسائل، وإن وجدت الرسائل فلن تأتى قبل أن يستقر المقام بالمصالح المادية. لا أرى الصين أو الهند مستعدة لتبديد امكانات إمبراطورية غالية على صراع أيديولوجى أو إنسانى أو ثقافى مع الموروث فى الشرق الأوسط من حضارة الغرب وثقافة الفتاوى الدينية وصراعات القوة الهزيلة. كلاهما، الزحف القادم من بعيد والزحف القادم من قريب أى من نواحى الجوار المشبع بفكر امبراطورى، يدرك أن قلب الشرق الأوسط، القلب العربى، بوضعه الحالى لن يشكل عقبة على طريق التوسع فى النفوذ الإمبراطورى الصينى أو الهندى. واضح وضوح الشمس أن قيادات القلب العربى ترفض الاستعانة بأى فكر بناء أو إيجابى خلفته امبراطوريات «عربية المنشأ» أو إمبراطوريات كان للعرب فى توسعها ونهضتها وصنع تراثها الفضل الأكبر. نقرأ الخطاب السياسى العربى الراهن فلا نجد فيه دليلا على صلة أو تمسك أو علاقة إعزاز بفكر وطموح مرحلة إمبراطورية عربية بعينها.
العكس تماما نقرأه فى الخطاب السياسى لكل الدول الزاحفة نحونا البعيد منها والقريب. نقرأ فيه استلهاما من عقيدة إمبراطورية واسترشادا بطرق سلكها السابقون وأساليب استخدموها. نقرأ ونقارن وندعو للانتباه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.