تحل اليوم 19 أكتوبر، ذكرى رحيل المفكر والزعيم ورئيس البوسنة والهرسك الراحل، علي عزت بيجوفتيش، عن عمر ناهز ال 78، في مستشفى سراييفو بعد إصابته بكسر في الضلوع، إثر سقوطه في منزله. وفي ذكرى رحيله نستعرض كيف عبر «بيجوفيتش» ببلده من الحرب الأهلية لم يكن «بيجوفيتش» رئيساً عادياً كسائر رؤساء الجمهوريات الذين تسلموا هذا المنصب في العالم الإسلامي، بل كان؛ مفكراً عميقاً، وسياسياً داهية، ومناضلاً عتيداً، يملك نظرة شاملة لكيفية النهوض بالأمة الإسلامية، فقد كان دائم التأمل في أحوال المسلمين المتردية مادياً ومعنوياً بشكل عام، والأشد تردي في بلده «البلقان» تحت الحكم الشيوعي الذي جاء بعد انهيار الحكم الملكي، فقد كان حكمًا إلحادياً، شديد الوطأة على الإسلام والمسلمين. اطلع «بيجوفيتش» على كتب وتجارب الحركات الإسلامية المختلفة وتفاعل معها، وهو ما يزال طالباً يدرس القانون في جامعة سراييفو، وأنشأ «جمعية الشبان المسلمين» ودعا إليها زملائه الطلبة، فكانت أشبه بناد مدرسي يعمل لجمع الطلبة المسلمين، وتوعيتهم، وتثقيفهم وللتحاور فيما بينهم، ثم انتقل نشاط الطلاب في الجمعية إلى الأعمال خيرية، وتم إنشاء قسماً للفتيات المسلمات، وقدمن من خلالها خدمات ومساعدات للمحتاجين أثناء الحرب العالمية الثانية. ألهمت الكتب «بيجوفيتش» الكثير من الأفكار، ودلته على الطريق الرحب الذي يجب أن يسير فيه، من أجل النهوض بشعبه «البوشناق»، وبسائر مسلمي البلقان، لتخليصهم من أتون الحكم الشيوعي، الذي يريد أن يطمس هويتهم الإسلامية، وتجعلهم قطيعاً يعيش على هامش الحياة، وعندما اجتاح هتلر بجيشه النازي «يوغسلافيا» واحتلها، سارع بعض أبناء البلقان المتأثرين بالفكر النازي إلى تأسيس حزب «الأشتاشا» النازي، وحاول الشبان النازيون التأثير في الطلاب المسلمين، فتصدى لهم «بيجوفيتش» وأعضاء جمعية الشبان المسلمين وأفهموا الطلاب أن الفكر النازي معادٍ للإسلام، وأن الحركة النازية ضد المسلمين، ويحرم على المسلم أن ينتسب إلى الحركة النازية تحت أي ذريعة. تحررت يوغسلافيا، ورحلت عنها الجيوش الألمانية، واتخذت الشيوعية مكانها، فتصدى لها، وتم اعتقاله من الشيوعيون مراراً، وقد حكم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة علاقته بجمعية الشبان المسلمين، وحكموا عليه بالسجن 14عاماً، بتهمة الانحراف نحو الأصولية، وكان يخرج في كل مرة أكثر عزمًا وصلابة وتصميماً على الكفاح. بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد، اضطر الحزب الشيوعي اليوغسلافي إلى السماح بالتعددية السياسية، فبادر «بيجوفيتش» إلى تأسيس حزب العمل الديمقراطي، وشارك في الانتخابات الرئاسية، وفاز فيها، وصار رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك عام 1990، وأجرى استفتاء شعبياً على الاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي، وصوت الشعب بأكثرية 63%، فشنت حملة إعلامية ضد مسلمي البوسنة، الأمر الذي جعل الصربيون ينقضون على البوسنة، في حرب عرقية دينية دموية، ومن أجل إنقاذ شعبه، تقدم «بيجوفيتش» بحل وسط وهو إقامة «فيدرالية متناسقة»، وبذلك حمى يوغوسلفيا من الحرب الأهلية.