عندما يهل علينا روائح رمضان نجد أنفسنا منساقين إلى تذكر أئمة العلم وأهل الصلاح والعبادة ودراسة سيرتهم ومسيرتهم فى تقريب الخلق إلى الحق وحفظ أصول الدين والدعوة إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن هؤلاء الأعلام الذين أناروا طريق الهداية وخدموا علوم الدين بكل ما أوتوا من نية صالحة وموهبة فذة الإمام محمد بن إدريس الشافعى. هو أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعى المطلبى القرشى. هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه الإسلامى، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضا إمام فى علم التفسير وعلم الحديث، وعمل قاضيا فعرف بالعدل والذكاء. عاش الشافعى عيشة اليتامى الفقراء، وحفظ القرآن الكريم فى السابعة من عمره وبدا ذكاؤه الشديد فى سرعة حفظه له، ثم اتجه بعد حفظه القرآن الكريم إلى حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كلفا بها، حريصا على جمعها، ويستمع إلى المحدثين فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أحيانا، وعلى الجلود أخرى، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها. و«الشافعى»، هو الإمام الملهم الذى كان له السبق فى التوفيق لأول مرة بين مدرسة أهل الحديث والأثر التى مثلها أستاذه الإمام مالك بن أنس الأصبحى ومدرسة أهل الرأى والقياس التى قادها أبو حنيفة رحمه الله، فجاء مذهب الشافعى وسطيا يجمع بين تقديس الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والاحتفاء بها والوقوف عند منطوقها وبين إعمال العقل واحترام الرأى. وما لا يعرفه البعض أن الإمام الشافعى أحب مصر حبا صادقا حقيقيا حتى أنه قال فيها شعرا وهو الذى ترك لنا فى الشعر ديوانا ممتعا رقيقا يمتاز بالحكمة على صغره، وذلك أن الشافعى لم يسهب عامدا فى قول الشعر لأنه يزرى بالعلماء على حد وصفه. وعند ورود الإمام على الديار المصرية وجد أهلها ينقسمون بين مذهبين فبعضهم على مذهب أستاذه مالك والبعض الآخر على مذهب أبى حنيفة فعلت همته وارتقى طموحه إلى أن ينشغل المصريون بمذهب مختلف يجمع حسنات المذهبين ولا يزال الكثير فى مصر حتى يومنا هذا يتبعون مذهب الشافعى. ودفن الإمام الشافعى فى ضريحه بعد أن صلت عليه السيدة نفيسة حسب وصيته وكان يجلها ويحترمها ويسألها الدعاء وخاصة عندما يمرض وكان كثيرا ما يمرض على أنه رغم ضعف جسده تميز بقوة الإيمان والتبحر فى العلم وعرف بالصلاح الشديد فلقبه الصوفية بالوتد وكان بالفعل وتدا فى الفقه والدين والعبادة رحمه الله رحمة واسعة.