دراسية. وحرصا منهم على سلطتهم وامتيازاتهم، فإنهم يقفون بوجه التعليم «المتمحور حول الطالب». إنهم يرغبون فى الاستمرار بالقيام بالأشياء التى اعتادوا القيام بها دائما، ولهذا يقاومون الإصلاحات. على صعيد آخر، يتقاضى الأساتذة فى الجامعات الحكومية، أجورا منخفضة، فيما يجد أولئك العاملون فى الجامعات الخاصة أنفسهم مثقلين بأعباء التدريس والعمل الإدارى المضنى من دون فائدة. فى العديد من المؤسسات، تعتمد ترقية الأساتذة على الأقدمية والاتصالات، بدلا من إنتاج المعرفة أو الأداء فى الفصول الدراسية. وعليه، لماذا يتوجب على الأكاديميين المحفزين بذل جهد إضافى إذا لم يكونوا سيحصلون على التقدير مقابل ذلك؟
لكن السبب الرئيسى فى كون الجامعات فى المنطقة تتعثر فى أدائها هذه الأيام لا يعود إلى كون الطلاب أقل ذكاء أو أن الأساتذة أقل التزاما – الأمر يتعلق بالأرقام.
شهد التعليم العالى العربى توسعا لا يصدق فى النصف الأخير من القرن الماضى، وهناك العديد من الجامعات غير الناضجة. وفقا لتقرير صدر أخيرا عن المجلس العربى للعلوم الاجتماعية، فإن 97 فى المائة من الجامعات العربية، قد أنشئت بعد عام 1950، ولم تكن 70 فى المائة من الجامعات المفتوحة اليوم موجودة قبل العام 1991. ولم يشهد عدد الجامعات زيادة فحسب، بل إن معدل التحاق الطلاب بمؤسسات التعليم العالى قد ازداد أيضا بشكل يثير الحيرة، سنة بعد أخرى.
يؤيد العديد من الأساتذة، من حيث المبدأ، الحفاظ على مجانية التعليم العالى بوصفه حقا عالميا. لكن الكثير منهم أيضا ينظر إلى الزيادة المتسارعة فى معدلات الالتحاق بالجامعات وانعدام معايير القبول فى كثير من الأحيان، وكأنها قد حكمت على جامعاتهم بالنهاية.
لكن الأساتذة من فئة عمرية معينة يجب أن يضعوا فى اعتبارهم، عندما يشعرون بالإحباط، بأنهم قد تلقوا تعليمهم فى ظل ظروف مختلفة جدا عن الظروف التى يعلمون فيها الآن. لقد كانوا محظوظين: فقد كانت صفوفهم أصغر من ذلك بكثير، كما أنهم كانوا متيقنين تقريبا من الحصول على وظيفة بعد التخرج، لكن الجامعات الحكومية فى المنطقة تحولت بسرعة كبيرة من مؤسسات لإعداد النخب الوطنية الصغيرة إلى مؤسسات تخدم جمهورا ضخما، وهو اتجاه يشار إليه عالميا باسم «تكتيل» التعليم العالى. ولهذا فإن الأساتذة، كما يبدو للكاتبة، المربكين والمزدرين بحشود من الطلاب، ويتوقع منهم أن يقوموا بالتعليم الآن.
*** كما أن هنالك مصادر أخرى متعددة لمشاعر العزلة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب. حيث أن الأساتذة الذين تابعوا دراستهم فى حقبة ما بعد الاستعمار قد يكونون قد درسوا بلغات أجنبية ويجيدون التحدث بها بطلاقة – فى حين أن الغالبية الساحقة من الطلاب الذين يعلمونهم الآن من الناطقين باللغة العربية، وأن البعض منهم فى دول الخليج، قد يجدون صعوبات فى كل من اللغتين العربية والإنجليزية. من جانب آخر، تغيرت العادات والأعراف فى الحرم الجامعى. حيث أن الأكاديميين من جيل معين، ممن خبروا الجامعة كمكان لشيوع السياسات التقدمية أو تحرير المرأة، يشعرون بالقلق حيال التشدد الدينى لدى بعض الطلاب، ويشعرون بالصدمة لدى رؤيتهم لطالبات يصرن على ارتداء النقاب على سبيل المثال. فى الوقت ذاته، فإن الطلاب وصلوا إلى هذا العمر فى عصر وسائل التواصل الاجتماعى، والعولمة، والاضطرابات السياسية. ولذلك، فإنه لابد وأنهم يرغبون بعلاقات غير رسمية وأقل تكلفا مع معلميهم. «فى الواقع، إن واحدا من أهم عوامل الجذب للجامعات الخاصة فى المنطقة، كما تشير الدراسات، هو الفصول الدراسية الأصغر حيث يتم تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة والبدء فى المناقشات». تختتم ليندسى بأن المسئول الحقيقى عن الفجوة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب هو السياسات التعليمية التى وعدت بشكل ساخر وغير مسئول بتعليم عالٍ للجميع، فى ظل غياب لتجهيز الجامعات بالموارد اللازمة، للوفاء بهذا الوعد. وهذا هو ما حول العلاقة بين الطلاب والأساتذة، الذين يتوجب عليهما أن يكونا طرفى المعادلة، إلى معادلة محصلتها صفر.