بقلم فالح الكيلاني – العراق . ولدت رابعة ابنة اسماعيل البصري العدوي في مدينة البصرة عام مائة للهجرة وقيل مائة وخمسة للهجرة من اب عابد زاهد رزق بثلاث بنات قبلها ثم كانت هي الرابعة فكان اسمها يدل عليها ثم توفي الاب ورابعة لم تبلغ العاشرة ولم يترك لهن مالا يعتشن به الا زورقا صغيرا يستخدم للعبور ثم توفيت الام وبقيت البنات الاربع بدون معيل وقيل ان البصرة اصيبت بوباء فتك بالناس وسلط القحط والحرمان والجوع على اهلها وكثر السراق وقطاع الطرق والعيارين وغيرهم . وقيل ان سارقا قد سرق رابعة العدوية فباعها في سوق النخاسة بستة دراهم لأحد التجار القساة وكان التاجر يحمَّل رابعة فوق طاقتها كطفلة لم تكن قد شبت بعد لكنها كانت تختلي بنفسها في الليل لتستريح من عناء النهار وعذابه ولم تكن راحتها في النوم أو الطعام بل كانت في الصلاة والمناجاة؛ فكانت تتمثل بالآية الكريمة : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات\7 ثم افترقت البنات الاربع فلم تر احداهن الاخرى . . – أنعم الله علي رابعة بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عن ما يختلج بها من وجد وعشق لله وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم. وقيل أن سفيان الثوري العابد الزاهد سأل رابعة يوما : ما حقيقة إيمانك؟ فاجابته : ما عبدته خوفًا من ناره، ولا حبًا لجنته فأكون كأجير السوء، بل عبدته حبًا وشوقًا إليه. وقيل انها كانت تصلى ألف ركعة في اليوم والليلة! فقيل لها: ما تريدين بهذا ؟ قالت : لا أريد به ثوابًا، وإنما أفعله لكي يُسرَّ به رسول الله يوم القيامة، فيقول للأنبياء: (انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها). سئلت رابعة: كيف حبك للرسول صلوات الله عليه ؟ اجابت : إني والله أحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلني عن حب المخلوقين. وقيل هتف رجل من العبَّاد في مجلس رابعة: اللهم ارضَ عني. فقالت له : لو رضيت عن الله لرضي عنك. قال : وكيف أرضى عن الله ؟ قالت : يوم تُسرُّ بالنقمة سرورك بالنعمة لأن كليهما من عند الله . ومما كتبه عنها الاستاذ فريد العطار – قيل عنها انها ذات ليلة استيقظ سيدها من نومه فسمع صلاتها ومناجاتها فنظر من خلال الباب فرأى رابعة ساجدة تصلى وتقول في صلاتها : (إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك ونور عيني في خدمتك ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك). وخلال دعائها وصلاتها شاهد قنديلاً فوق رأسها يحلق وهو غير معلق بسلسلة ، وله ضياء يملأ البيت كله فلما أبصر هذا النور العجيب فزع وظل ساهدًا مفكرًا حتى طلع النهار فدعا رابعة وقال: – أي رابعة وهبتك الحرية فإن شئت بقيت ونحن جميعًا في خدمتك وإن شئت رحلت أذا رغبت . فودعته وارتحلت. وجعلت المساجد دارها . . من ادعيتها ومناجاتها لربها تقول : ( إلهي أنارت النجوم، ونامت العيون، وغلَّقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.. إلهي هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري أقبلت منى ليلتي فأهنأ، أم رددتها على فأعزى، فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني، وعزتك لو طردتني عن بابك ما برحت عنه لما وقع في قلبي من محبتك). .. يقول الاستاذ طه عبد الباقي سرور: (وكانت رابعة في تلك الفترة في الرابعة عشر من عمرها لكن هذه المرحلة من حياتها لم تستمر طويلاً فقد اشتاقت نفسها للدنيا الخلاء من الناس المليئة بالله وحده فقد تخلص قلبها من الدنيا وكل ما فيها وخلص من الرغبات والشهوات والخوف والرجاء لم يبق فيه إلا شئ واحد الرضاء عن الله والعمل على الوصول إلى رضاء الله عنها ورفضت كل من تقدم لزواجها فليس في قلبها مكان لغير الله وليس لديها وقت تشغله في غير حب الله ) كتاب (رابعة العدوية والحياة الروحية في الإسلام) (دار الفكر العربي- الطبعة الثالثة 1957) . وجاء في دائرة المعارف الإسلامية (المجلد التاسع-العدد 11 ص 440) (إن رابعة أقامت أول أمرها بالصحراء بعد تحررها من الأسرثم انتقلت إلى البصرة حيث جمعت حولها كثيرًا من المريدين والأصحاب الذين وفدوا عليها لحضور مجلسها وذكرها لله والاستماع إلى أقواله وكان من بينهم مالك بن دينار والزاهد رباح القيسى والمحدث سفيان الثورى، والمتصوف البلخي. ) توفيت رابعة العدوية عن عمر يناهز الثمانين سنة فقد توفيت عام \185 هجرية في فلسطين و في مدينه القدس وقبرها في جبل الزيتون او جبل الطور . . – أنعم الله علي رابعة بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عن ما يختلج بها من وجد وعشق لله وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم. . من شعرها في العشق الالهي تقول : أحبك حبين حب الهوى حبا لأنك أهل لذاك فأما الذي هو حب الهوي فشغلي بذكرك عمن سواك أما الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتي أراك فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاك ومن شعرها ايضا : يا خليّ البال قد حرت الفكر صمّ عن غيرك سمعي والبصر هجت نار الحبّ في وجنتنا لن لنا قلباً قسياً كالحجر أرجع النظرة فينا مقبلاً لا تركنا كهشيم المحتضر ليس ينجيني من الغم سوى أجل جاء وأمر قد قدر ضجّت النفس من الموت أسى قلتها كوني كمن يهوى السفر إنّما فيها نزلنا عابرين ليست الدنيا لنا دار مقر مضت الناس على قنطرة أنت تمضين عليها بحذر لا مناص اليوم ممّا نزلت فتنادين بها أين المفر فامسكي بالعروة الوثقى التي إن تمسكتِ بها تَلقي الظفر سادة قد طابت الأرض بهم حيث ما ينحون من رجس طهر في دجى الليل الغواشي المظلم بعضهم شمس وبعض كالقمر في سماء المجد أبدوا مشرقين أنجم تعدادها اثني عشر هم أمان الخلق طرّاً كلمّا غاب نجم منهم نجم زهر هم عماد الدين أنوار الهدى مَن تولاهم نجى من كلّ شر هم ولاة الأمر بعد المصطفى بولاهم كلّ ذنب يغتفر عن صراط الحقّ مَن شايعهم عاجلاً سهلاً بلا خوف عَبر خاتم فيهم كختم الأنبياء معلن الحقّ وقتّال الكفر هو حبل الله للمعتصمين لعدوّ الله سيف مشتهر سيدي قد ذاب قلبي في هواك لا تدعني إنّ دائي ذو خطر ولها قصيدة بعنوان ( راحتي في خلوتي): راحتي يا أخوتي في خلوتي وحبيبي دائماً في حضرتي لم أجد لي عن هواه عوضاً وهواه في البرايا محنتي حيثما كنت أشاهد حسنه فهو محرابي إليه قبلتي إن أمت وجداً وماثم رضا واعناني في الورى وشقوتي يا طبيب القلب يا كل المنى جد بوصل منك يشفي مهجتي يا سروري وحياتي دائماً نشأتي منك وأيضاً نشوتي قد هجرت الخلق جميعاً ارتجي منك وصلاً فهل أقضي أمنيتي وتقول في قصيدة دالية مايلي : خليلي ألا تدنو إلى عين رائق تروّ بكأسٍ سائغ متورّد ورحل بهذا الدار وابغ منازلاً رفيعاً وسيعاً زاكياً ذا تسدّد وجالس مع الأبرار واذكر هنا لهم حديث حبيب مشفق متودد فطيّب لنا نفساً بذكر نواله وفرّج بنا همّاً ببشر مجدد هو الأصل في الإيجاد والكل فرعه بمولده كان الصفيّ مولد فأحمد إن كان ابن آدم صورة وبالصدق معنا آدم بن محمّد هو العلم المأثور في ظلم الدجى هو العمد الممدود في كل مرصد هو الكوكب الدري في وسط السما به من مضلات الغواشي لنهتدي هو الأمن والإيمان والكهف والهدى وهذا هو الدين القويم المؤيّد وعترتُه خير البرية كلّها هم العروة الوثقى وقصر المشيّد بهم فتح الله الاُمور بأسرها على الخلق طراً ظلهم متمدد فهم حجج الرحمن قدماً على الورى وفيهم كتاب الله بالحقّ يشهد معاندهم لو كانت الأرض كلهّا لها ذهباً ملآى بذاك ليفتدي وشيعتهم يوم القيامة حولهم على سرر مستبشرين مروّد لهم كلّ ما تشهي النفوس وكلّ ما تلذ به الأبصار في كل مورد يقولون : أتمم ربنا نورنا لنا فإنا لهذا اليوم كنّا نزوّد ملائكة يستقبلون قدومهم يرونهم من طيبين الممجّد يقولون لمّا ينظرون بوجههم سلام عليكم فادخلوها مخلد فلا تمسكن إلاّ بحبل ولائهم ولا تدحرن عن باب آل محمّد كفاك بذكر الآل فخراً ونعمة حزينة قومي واشكري وتهجّدي وتقول ايضا : وزادي قليل ما أراه لا مبلغي أللزاد أبكي أم لطول مسافتي أتحرقني بالنار يا غاية المنى فأين رجائي فيك أين مخافتي حبيبي ليس يعدله حبيب ولا لسواه في قلبي نصيب حبيب غاب عن بصري وسمعي ولكن في فؤادي ما يغيب يا حبيب القلب ما لي سواك فارحم اليوم مذنبا قد أتاك يا رجائي وراحتي وسروري قد أبى القلب أن يحب سواك فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وقالت رابعة العدوية : كأسي وخمري والنديم ثلاثة وأنا المشوقة في المحبة رابعة كأس المسرة والنعيم يديرها ساقي المدام على المدى متتابعه فإذا نظرت فلا أُرى إلا له وإذا حضرت فلا أُرى إلامعه إني جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي راحتي يا إخوتي في خلوتي وحبيبي دائما في حضرتي لمأجد عن هواه عوضا وهواه في البرايا محنتي حيثما كنت أشاهد حسنه فهو محرابي إليه قبلتي يا حبيب القلب يا كل المنى جد بوصل منك يشفي مهجتي يا سروري وحياتي دائما نشأتي منك وأيضا نشوتي قد هجرت الخلق جمعا أرتجي منك وصلا فهو أقصى منيتي وفي قصيدة اخرى تقول : يا سروري ومنيتي وعمادي وأنيسي وعُدتي ومرادي أنت روح الفؤاد أنت رجائي أنت لي مؤنس وشوقكزادي أنت لولاك يا حياتي وأُنسي ما تشتتُ في فسيح البلاد كم بدتمِنة وكم لك عندي من عطاءٍ ونعمةٍ وأيادي حُبك الآن بُغيتيونعيمي وجلاءُ لعين قلبي الصادي ليس لي عندك ما حييت براحٍ أنت منىمُمَكنُ في السواد إن تكن راضياً عليّ فإني يا مُنى القلب قد بداإسعادي وارحمتاً للعاشقين! قلوبهم في تيه ميدان المحبةهائمه قامت قيامة عشقهم فنفوسهم أبداً على قدم التذلل قائمه إماإلى جنات وصل دائما أو نار صدٍ للقلوب ملازمه . امير البيان العربي د. فالح نصيف الحجية الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز