إلى أخى الشاعر الأصيل/ بشير رفعت؛ يرجع الفضل فى اختيار ديوانى الأخير [ طهطا المهد.. طهطا اللحد ]، ليُنشر قبل غيره من الدواوين التى ما زالت تنتظر دورها فى النشر. Dr-Basheer Refat with Hassan Teleb. 7 hrss . هذا الرَّجُلُ أُحِبُّه ! ************* . .. كان عدد مجلة ( إبداع ) – يناير/ فبراير 19911 م- عدداً فارقاً في ذاكرتي الثقافية. كنتُ في مقتبل التكوين الثقافي ، وكانت ( إبداع ) نبعاً رائقاً ننهلُ منه في مطلع كلِّ شهر. كان هذا رأيي آنذاك بوصفي طالباً محبَّاً للمعرفة والإبداع ، أنتشي بدراستي للغة الإنجليزية وأَلْتَهِمُ الثقافة العربية قديمها وحديثها. لا أدري كيف يرى الآخرون تجربة (إبداع) حتى ذلك العدد سالف الذكر ، ولا أدري ماذا يكون رأيي لو كنتُ في مثلِ عمري الآن وعاد الزمان بإصدارات الثقافة العربية إلى عهدها الذي نشأنا عليه. قرأتُ مقدمة الدكتور عبد القادر القط ، وهي فالس الوداع . نَعَم ، كتب الرجلُ كلمة العدد مودِّعاً قرَّاءه ومبرئاً ساحته من هذا الأَسْر الطويل الجميل ،على حد تعبيره ، ليبدأ عهدٌُ جديدٌ للمجلة بعد هذه الكلمات. ورغم نبرة الأسى المضمَرة في كلمات الدكتور القط ، فإنَّ كلماته ، بالمثل ، كانت تنطوي على رغبةٍ واضحةٍ في أن يستريح من هذه المهمة التي باتت ثقيلة. في هذا العدد نُشِرَتْ ( سندسةُ الطهطاويِّ) للشاعر حسن طلب.هل كانت هذه السندسةُ هديةَ القائمين على المجلة لقاريءٍ يودِّعونه ويودِّعُهم ؟! " سندسة الطهطاوي " قصيدة طويلة شغلتْ الصفحات من 55- 63 من المجلة ذات القطع الكبير آنذاك. وهي من صروح الشاعر التي وهبها كثيراً من يواقيته في الإبداع الشعريِّ لغةً وخيالاً وإفضاءً وتحليقاً وتضافر ثقافاتٍ ومعماراً فنياً ونفَساً شعرياً لا يتكرر. أحببتُ القصيدة ، وحرصتُ أن يكون هذا العددُ بمعزلٍ عن بقية المجلات . وكان هذا الحرص سبباً في فقدي له سنواتٍ طوالاً ، إذ بلغ من حرصي عليه أن حفظتُه في مكانٍ لم أعد أذكره أنا نفسي. من سوء حظي أن القصيدة ( السندسة )، التي تصلح أن تكون ديواناً مستقلاً ، لم ينشرها الشاعر في أيٍّ من دواوينه ،ولا أعاد نشرها في مختاراته. ويبدو لي الآن- للمرة الأولى – أن هذه القصيدة لم تحظ بالوقفة النقدية التي تستحقها لأن العدد الذي نُشِرَتْ فيه نسيه المجتمع الثقافي وانشغل بالعدد التالي الذي انقلبتْ فيه المجلة ،شكلاً وموضوعاً ، رأساً على عقب. لقد صدر العدد التالي- برئاسة تحرير الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي- وهو يحمل من التغيير ما يحتاج وقتاً لاستيعاب أن هذه هي مجلة "إبداع " التي كنا نعرفها.وما زلتُ أذكر وقفتي أمام بائع الصحف وأنا أسأله عن العدد الجديد من " إبداع " ، فيشير إليه ، بينما لم أتمكن من إدراك أنه يشير إلى المجلة إلا بعد وقتٍ ما ،لأن المجلة التي كنتُ أعرفها لم تعد موجودة. لا أقولُ هذا انحيازاً أو رفضاً لأيٍّ من عهود "إبداع " ، ولكني فقط أحكي عن ألفة القاريء للشكل القديم الذي اعتاده ، ثم بمرور الوقت ، يصبح الشكل الجديد مألوفاً تماماً. في ظلِّ هذا التغيير -الذي لم يكن شكلياً فحسب – انشغل الشاعر حسن طلب في العهد الجديد للمجلة وقد صار نائباً للتحرير. ولم يتوقف ،هو الآخر، أمام ( السندسة ) كما ينبغي بعد نشرها في هذا التوقيت الذي تبعه على الفور غمارُ التغيير. وكم من أعمالٍ عظيمةٍ ظُلِمَتْ لا لشيءٍ إلا لوقوعها بين عهدين ! في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2008 م ، دُعيتُ إلى الأمسية الشعرية التي تعقدُها لجنة الشِّعر في المجلس الأعلى للثقافة. وأفضيتُ لصاحب السندسة بما لها من مكانة في نفسي وأني أرجو أن ينشرها.قال لي إنها كانت بدايةً لما يشبه السيرة الذاتية التي لم يكملها ، لكني شعرتُ أنه تنبه لكنزٍ كان في ركنٍ ركينٍ من بيته ، وأن هذا الكنز أوْلى به أن يخرجه للناس ، بدلاً من أن ينطمر مع مرور الزمن. عاودتُ تذكيره مرةً أخرى عندما التقينا في صالون المهندس أحمد ماضي وجلسنا ذاتَ صباحٍ شتائيٍّ مع الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي. مرت السنون وأنا أحلم أن أجد عدد "إبداع " الذي يضم السندسة ، ولم يكن بيني وبين الشاعر ما يسمح لي أن أطلبها منه وقد مَرَّ على نشرها ما يقارب ربع قرن يوم التقينا في الصالون ( يناير 2013 م). ذاتَ صدفةٍ في صيف 2015 م ، عثرتُ على عدد "إبداع " الذي دوَّخني والذي يضم السندسة ، ووجدتُ في الأسبوع نفسه عدداً من مجلة "أدب ونقد " يضم ( خطب الديكتاتور الموزونة ) لمحمود درويش – كنتُ أكتنزه بالمثل. ووجدتُ أشياءَ أخرى ليست في المكان نفسه، لكنها في المكانة نفسها. إنَّ الشاعر الذي تشغلك قصيدتُه عمراً ، هو الشاعر الذي يجبُ أن تحبه. وعندما يكون الشاعر الكبير إنساناً بسيطاً متواضعاً وحانياً ومهذَّباً وعالماً وفيلسوفاً واكاديمياً ، فإنك ترتكب جريمةً إن لم تحبَّه. ( أهديكِ تيَّاكَ الزُّهَيْرةَ فاقبليها يا شُمَيْسةُ مِن أُجَيْلِ خويطري) .يصبح الشكل الجديد مألوفاً تماماً. في ظلِّ هذا التغيير -الذي لم يكن شكلياً فحسب – انشغل الشاعر حسن طلب في العهد الجديد للمجلة وقد صار نائباً للتحرير. ولم يتوقف ،هو الآخر، أمام ( السندسة ) كما ينبغي بعد نشرها في هذا التوقيت الذي تبعه على الفور غمارُ التغيير. وكم من أعمالٍ عظيمةٍ ظُلِمَتْ لا لشيءٍ إلا لوقوعها بين عهدين ! في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2008 م ، دُعيتُ إلى الأمسية الشعرية التي تعقدُها لجنة الشِّعر في المجلس الأعلى للثقافة. وأفضيتُ لصاحب السندسة بما لها من مكانة في نفسي وأني أرجو أن ينشرها.قال لي إنها كانت بدايةً لما يشبه السيرة الذاتية التي لم يكملها ، لكني شعرتُ أنه تنبه لكنزٍ كان في ركنٍ ركينٍ من بيته ، وأن هذا الكنز أوْلى به أن يخرجه للناس ، بدلاً من أن ينطمر مع مرور الزمن. عاودتُ تذكيره مرةً أخرى عندما التقينا في صالون المهندس أحمد ماضي وجلسنا ذاتَ صباحٍ شتائيٍّ مع الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي. مرت السنون وأنا أحلم أن أجد عدد "إبداع " الذي يضم السندسة ، ولم يكن بيني وبين الشاعر ما يسمح لي أن أطلبها منه وقد مَرَّ على نشرها ما يقارب ربع قرن يوم التقينا في الصالون ( يناير 2013 م). ذاتَ صدفةٍ في صيف 2015 م ، عثرتُ على عدد "إبداع " الذي دوَّخني والذي يضم السندسة ، ووجدتُ في الأسبوع نفسه عدداً من مجلة "أدب ونقد " يضم ( خطب الديكتاتور الموزونة ) لمحمود درويش – كنتُ أكتنزه بالمثل. ووجدتُ أشياءَ أخرى ليست في المكان نفسه، لكنها في المكانة نفسها. إنَّ الشاعر الذي تشغلك قصيدتُه عمراً ، هو الشاعر الذي يجبُ أن تحبه. وعندما يكون الشاعر الكبير إنساناً بسيطاً متواضعاً وحانياً ومهذَّباً وعالماً وفيلسوفاً واكاديمياً ، فإنك ترتكب جريمةً إن لم تحبَّه. ( أهديكِ تيَّاكَ الزُّهَيْرةَ فاقبليها يا شُمَيْسةُ مِن أُجَيْلِ خويطري) .