"ربنا رب كريم، جعل نعمه سابغة على عباده لا تتوقف بمعاصيهم، وأنزل ابتلاءاته على عباده ظاهرها نقمة وباطنها نعمة، فما من المنعم إلا النعم فله الحمد وله الشكر. نحمدك ربنا حمداً طيباً طاهراً كثيراً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من بعد. رضينا بك رباً، وبالإسلام ديناً، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء. لا إله إلا هو، يعز من يشاء ويذل من يشاء.. نشهدها شهادة نتخلص بها من النزغات الشيطانية، ونجدد عهد الإيمان مع الله، ونوقن ونعلم أنه سبحانه هو مالك الملك، وأنه وحده المتحكم في الخلق لا شريك له، وأنه جعل القضاء والقدر حكمة يعلمها سبحانه وما للعبيد إلا أن يمتثلوا لأمر مولاهم ويرضوا بما قسم. فإنه سبحانه القادر على كل شيء، وإنك يا مولانا مهما كان القضاء الذي أردته نعلم ونوقن أن كل شيء بيدك فلا إله إلا أنت. ونشهد أن نبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا سيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة المهداه، والنعمة المسداه، من ازدانت به الدنيا وشيدت به الحياة. النبي الأمي، والرسول العربي الذي جعله الله تعالى هدية ورحمة للعالمين. خير من عبد ربه، وخير من شكر ربه، وخير من أيقن بقضاء الله وقدره، فجعله الله إمام المرسلين، وسيد العالمين. اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ما توالى الليل والنهار". هكذا استهل الداعية الدكتور أنس عطية الفقي المشرف العام على متطلبات جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، خطبة الجمعة التي ألقاها أمس من فوق منبر مسجد طارق بن زياد بمدينة السادس من أكتوبر مؤكداً دور المسلم المعتصم بحبل الله تعالى في تحقيق الأمن المنشود لجيرانه ومجتمعه ووطنه. فحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أمرنا بإفشاء السلام فقال: "والذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم". وقبل أن يدعو سيدنا إبراهيم عليه السلام بالرزق لأهله دعا لهم أن يشمل وطنهم الأمن فقال: "رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات". ومتى بسط الأمن تأسست الحياة وشعر الإنسان بكرامته وتهيأت نفسه للإنتاج والعمل والعبادة والشكر، قال تعالى: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". وقال تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أؤلئك لهم الأمن وهم مهتدون". لقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الوطن الذي ولد ونشأ فيه فقال عن مكة: "ما أطيبك من بلدة وأحبك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت". وأحب كذلك دار هجرته فقال عن المدينة: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد". وهكذا ينبغي أن يقتدي المسلم بنبيه وقدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون صورة مشرفة لدينه ولمجتمعه. أما الدعوة إلى عدم الاعتراف بالأوطان فهي دعوة لا يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل عن حراسة الوطن من الأعداء: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله". فالمسلم مطالب بالصلاح والإصلاح معاً، ومهما تأخرت ثمرة عمله فإن الله قادر على أن يغير الأحوال بما يرضاه هو لا بما نحب نحن. قال تعالى: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون". وفي حالة الفتن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فمن وجد منكم ملجأً فليعذ به". وقديماً قال البوصيري: وخالف النفس والشيطان واعصهما فإن هما محضاك النصح فاتهم ولا تطع منهما خصما ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم والحفاظ على الأنفس والأرواح والمجتمع والوطن يعني مفارقة العصبية، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يدعو لعصبية فقتل قتل قتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يقتل برها وفاجرها ولا يفي لذي عهد بعهده فليس مني ولست منه". وجميع ذلك لا يعني السلبية أو ترك الإصلاح بما يتضمنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن بشروطه التي لا تؤدي إلى منكر أعظم منه أو تؤدي إلى فتنة. وأشار د. أنس الفقي إلى أن تجار العرب المسلمون الأوائل نشروا الأخلاق والقيم الإسلامية في دول آسيا الوسطى وفي جنوب شرق آسيا ولا تزال هذه الدول تدين بدين الإسلام. والعجيب أن غير المسلمين يأتون بأنفسهم من هذه الدول للعمل في البلاد العربية وقلما نجد من يتأثر بالإسلام منهم. السبب أن المسلم المعاصر لا يحرص على أن يكون صورة طيبة لإسلامه بقيمه ومبادئه وتعليماته. وقديماً قالوا عن هذا المسلم المنشود ضاربين المثل بالتابعي سيدنا أبي أيوب السختياني: (لئن تصحب أبا أيوب السختياني خير لك من أن تسمع كلامه). والمعنى أن الدين المعاملة وأنه كذلك دين سلوك لا دين كلام وقول، بل القول فيه مقترن بالفعل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نعمة الأمن المقترنة بالرضا: "من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". ألا إن الشكر يستدعي الزيادة.. ألا إن الفرقة تستدعي الفشل.. ألا إن الكراهية تنزع البركة.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.