أهلا رمضان ———— ( رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان غنوا وقولوا شهر بطوله غنوا وقولوا رمضان جانا قولوا معانا اهلا رمضان رمضان جانا ) . توقفت يد عمي السيد ،وانكمشت ببطء على زهرة النرد التي كان يهم بإلقائها ،وهو يلاعب بعض شيوخ الحي ، ورفاق الأمس لعبة الطاولة،التي أدمن عليها منذ إحالته على التقاعد وفراغ الدنيا من حوله. الصوت الجميل المنبعث من أحدى زوايا المقهى الشعبي ،شل يده عن الحركة،وألجم لسانه عن النطق. غدا ، أول أيام الشهر الفضيل. جال ببصره قليلا. كل شيء حوله تغير.لم تعد الحياة كما كانت عليه زمان. فلا الإنسان بقي هو الإنسان،ولا المدينة احتفظت بنكهة الأيام الجميلة. زمااااان،كانت النسوة يشرعن في تحضير استقبال شهر البركة مسبقا وبأيام .فيغيرن ديكور البيت،ويحضرن المشروبات الشهيرة في مثل هذه المناسبات من الخروب ، والكركديه، والعرقسوس وغيرها كثير…كثير! كنت تشم رائحة السمن البلدي ، الناتجة عن عملية ( تسييح ) الزبد من عشرات الأمتار .!! أما الآطفال ، فيسارعون إلى صناعة الفانوس الكبير بالورق المقوى الملون،ليشعلوا في داخله مصباحا.كما يقصون الأوراق الملونة ويزينون بها الشوارع . كانوا يتنافسون ليظهروا أي شارع هو الأجمل، وأية زينة هي المميزة . بوادر رمضان كانت تظهر مبكرا في كل جنبات المدينة.وحتى بيوت الله تلبس حلة جديدة،إذ يسارع الناس إلى تنظيفها،وغسل سجاجيدها التي يتبرع بها عادة بعض المحسنين.كما تزين بالمصابيح المختلفة الألوان والتي تبعث البهجة في الصدور. ( بتغيب علينا وتهجرنا وقلوبنا معاك، وفى السنة مرة تزورنا وبنستناك من إمتى وإحنا بنحسب لك، ونوضب لك ونرتب لك، أهلاً رمضان جانا، قولوا معانا، رمضان جانا،) مابك يا سيد ؟أين شردت يا صاحبي؟ إنتبه على صوت رفيق الدرب العم صلاح ،وهو يرجعه إلى واقعه الجديد. -سرحت مع الأغنية يا صاحبي،ذكرتني برمضان أيام زمان. -العب يا صاحبي ،العب.كل شيء تغير اليوم.نحن في عصر السرعة ،والتكنولوجية.فمن انقضى زمانه لا يطمع في زمان غيره. -عصر (مهبب بستين هباب). قالها بصوت هامس،ثم سرح مرة أخرى مع الصوت الجميل . زمااااان،كان الأطفال الصغار يتنافسون على صيام بعض الأيام لإثبات رجولتهم. بعضهم وحتى يثبت صحة صومه ،كان يسارع في حركة طفولية بريئة، إلى إخراج لسانه أمام رفاقه ليظهر بياضه،وتشققه ! أما اليوم…فلم يعد يعنيهم من رمضان إلا السهر حتى مطلع الشمس،ليستغرقوا بعدها في نوم ثقيل قد لا يوقظهم منه إلا صوت الأم المسكينة وهي تصرخ فيهم بعد أن سمعت صوت المدفع!!! بعد الإفطار ،ترتفع أصوات المآذن مهللة ،ومكبرة لتمتلئ بيوت الله بالمصلين الذين يحرصون على راحة أنفسهم في صلاة التراويح. أما النسوة،فكن يتجمعن في بيت إحدى الجارات ،أو القريبات يتسامرن حول أكواب الشاي،والحلويات المختلفة،فتتعالى ضحكاتهن في جو عائلي بهيج،ما كن ليتخلين عنه لولا اقتراب وقت التسحر. كل شئ سار بسرعة مذهلة،لم تترك لنا حتى فرصة للتوقف ،والتقاط الأنفاس. اليوم ، كل شيء تغير.فالقنوات التلفزيونية المتعددة،سرقت الأسرة من…الأسرة. والكل أصبح ينظم مواعيده حسب توقيت المسلسات،والبرامج المقترحة من الفضاء المفتوح على كل الاحتمالات. ( يوم رؤيتك لما تجينا زى العرسان نفرح وننصُب لك زينة أشكال وألوان فى الزفة نبقى نطبلك ونهللك ونقولك أهلاً رمضان جانا قولوا معانا رمضان جانا، ) – سيد يا صاحبي قم بنا نتمشى قليلا. -كم أحن إلى صرخات الأطفال،وهم يجرون في الأزقة صوب بيوتهم بعد سماع دوي المدفع. -قم يا صاحبي ،قم .لا أريد أن أغضب شويكار وقد أوصتني باقتناء بعض متطلبات الشهر. -آه فعلا ياصلاح ،أنا كذلك أوصتني منى…لا نريد تغيير عادات رمضان في البيت ،مهما تغير في الخارج. -فعلا صديقي،فعلا.لنذهب إلى السوق إذن. -لنذهب….أهلا رمضان. ( يامسحراتى دُق لنا تحت الشباك، سمّعنا وافضل غنى لنا للفجر معاك، واعمل الليلة دى هليله، ثلاثين ليلة حلوة جميلة، أهلاً رمضان جانا قولوا معانا، رمضان جانا.)