لا شك أن الانتحار وهو لجوء الفرد الى ازهاق نفسه عامداً متعمداً هو بكل معاني الحياة سواءً كانت دينية أو أخلاقية او انسانية هو حرام أو على اقل تقدير غير مقبول أو لا يمكن للنفس السوية أن تستسيغه أو تبرره غير أن الانتحار ليس وحده الذي لا يمكن للانسانية أن تبرره .... فهناك عشرات الظواهر التي نشاهدها كل يوم وربما نشارك في صنعها ونحن على درجة متفاوتة من الرضا أو التبرير ومع ذلك لا نجد من يهاجمها او يستهجنها أو ينكرها أو حتى يدينها الا من رحم ربي . ومع علمنا نحن المصريون بان الانتحار حرام وقناعتنا بأن الله قال في محكم تنزيله " وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ..." فاننا نجد أنه من الغريب ان يتحد ثنائية الدين مع السياسة لمواجهة هذه الحالة بالوعظ والارشاد ، في الوقت الذي ترتفع فيه اصوات السياسيين ممن يصفون أنفسهم بالعلمانيين الذين يحاولون بناء دولة مدنية ترتفع اصواتهم بابعاد الدين عن السياسة . قد تقول أخي القاريء وهل أنت تنكر على وزارة الاوقاف والازهر الشريف ايضاحهم للناس موقف الدين من الانتحار ، أقول لك يا أخي أنا لا أنكر ذلك ، بل أنكر أن يقوم السياسيون بتوجيه الاوقاف والازهر الى الزام كل منابر الجمهورية بتوحيد خطبتهم حول هذه الموضوع ، لأن هذا فيه دلالات عدة لا يجب أن نغفلها ... أولاً : بكل حال من الاحوال حالات ومحاولات الانتحار لم يفكر اصحابها في الدين أو الجنة والنار فهم بلا شك ايمانهم ضعيف ، بالاضافة الى يأسهم من انصلاح حالهم .... فتجمّع اليأس وقلة الحيلة – في ظل عدم وجود بارقة أمل – مع ضعف الايمان فافرز لنا هذه الحالات . ثانياً : خوف النظام من انفلات الأمر بتكرار هذه المشاهد التي قد تثير الناس فتفرز حالة في الشارع كتلك التي حدثت في تونس فلا يمكن السيطرة عليها . ثالثاً : وهذا هو الأهم ، قناعة النظام بأن الدين عامل مؤثر جداً في حياة المصريين سواءً كانوا مسلمين أو مسيحيين فكان التوجه الى المنابر لمقابلة هذه الحالات حتى لا تصبح ظاهرة . سؤال خبيث : هل الحكومة تريد الحفاظ على حياة الناس بهذا التوجّه ؟؟؟؟!!! لقد لجأ النظام الى المنابر واستخدم سيطرته عليها من خلال تعليمات وزير الأوقاف الى كل المساجد مصر بتوحيد خطبة الجمعة حول ( الانتحار من وجهة نظر الدين ) استفهام لا بد منه ؟؟؟!!! هل كان يمكن لأحد المساجد أن يخرج علينا أمامه وخطيبه قبل الانتخابات الماضية بنصيحة وارشاد الى كل المشاركين في عمليات التصويت والفرز و يحذرهم من التزوير ، وأن يتقوا الله في الأمانة التي يتولونها لماذا لم تخرج علينا وزارة الاوقاف أو الازهر الشريف ممثَّلاً في شيخه الجليل باستنكار ما شاهده وسمعه وقرأه عن عمليات التزوير ، والتي أوصلت الناس الى كل حالات اليأس في الاصلاح. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) ثلاثاً: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" ان ظاهرة المشاركة في تزوير اصوات الناس كان يجب ان يستدعى العلماء وتستنفرهم على المنابر من - وجهة نظري – بصورة أكبر من موضوع الانتحار