استرجعت أحداث اليوم بعد ما لامس عصير القصب المنعش شفتيي. ذهبت أنا و صديق عزيز لي إلي أهرامات الجيزة التي لم نزورها من قبل. تملكتنا الحماسة و ملأ السرور قلبي و نحن في طريقنا للهرم, خصوصاً أننا ذاهبون لمكان بدأت من أرضه الحضارة, حضارة 7000 عام ظلت صامدة حتي يومنا هذا. يأتي إليها من كل بقاع العالم زوار أجانب ينبهرون بذكاء المصري القديم الذي استطاع أن يبني أهرامات, معابد, مسلات و مقابر و تظل تلك الأثار صامدة حتي تلك اللحظة. يتسائلون: كيف يمكن أن يتم بناء هرم مثل ذلك الهرم الذي يُعد واحداً من عجائب الدنيا السبع في وقت انعدمت فيها التكنولوجيا المتقدمة التي نعيش في ظلها حالياً؟ فلا يستطيعون الإجابة لأن المصري بيعمل المعجزات في أي وقت و بدون مقدمات. عندما وصلنا لمنطقة الهرم, فوجئت بعدة مظاهر لا تنم عن الرقي أو الحضارة. وجدت السيارات متكدسة في الشوارع بدون نظام, وجدت المشاة واقفين في وسط الشارع بدون مبالاة و يجتازون الشوارع ببرودة و لا يحترموا سائقين السيارات. برك المياه الصغيرة المتواجدة علي جانبي الشارع و الباعة الجائلين الذين احتلوا الشارع و بعضهم يسرق الكهرباء من عامود النور الذي يعمل فقط فترة النهار. كل هذا كنت قد تعودت عليه, فلم أبالي به لأن كل ما كان يشغل بالي حينها هو رؤية الأهرامات. عندما اقتربنا من الأهرامات, فجأة قال لي واحد: الأهرامات يا كابتن؟ -قلت له: إن شاء الله وقف و قعد يحكي أنه يجب علينا أن نستأجر حنطور أو حصان حتي نصعد إلي الأهرامات و نتمكن من رؤية كل المعابد و أبو الهول و كل المناطق الأثرية الموجودة. بسبب كثرة كلامه ظننت أنه لو حكي لي قصة حياته لن تأخد كل الهري ده. أحسست أنه صادق في كلامه و لكني تذكرت تحذيرات الحج الذي كان جالس بجانبنا في الميكروباص, حذرنا الحج من هجوم العاملين هناك علينا و عروضهم التي لن نجدها عند أحد غيرهم "كما يرون" و أنهم سيأخذوننا في جولة كاملة حول الأهرامات و المعابد و أبو الهول و سيكرموننا في السعر لأننا ولاد بلد. أصر صديقي علي أننا عندما نصل للبوابة سنقرر إن كنا سنركب حصان أو حنطور و أظهرت موافقة علي كلامه. عندما وصلنا للبوابة حتي هرع إلينا شخص يعرض علينا جولة حول الأثار و أننا لن نقدر أن نشاهد كل الأثار إذا مشينا علي أرجلنا. كلامه كان هو هو كلام أول شخص عرض خدماته. قلنا له أننا لا نريد أن نركب أي شيء و عندما تخلصنا منه و من عروضه حتي ظهر لنا واحد اخر يعرض هو الثاني عروضه و خدماته و رافقنا حتي قطعنا تذكرتين من شباك البوابة و ظل معنا حتي كرهنا اليوم الذي نزلنا فيه من البيت. أخيراً تخلصنا منه و بدأت جولتنا و استرجعت سروري و أنا أشاهد الهرم المتوسط و أنا في غاية السعادة. للمرة الثالثة وقف لنا رجل يعرض علينا أحصنته و بسعر رخيص جداً و لكنها ليست مسألة مال بل هي مسألة حرية كنا نريدها و نحن نشاهد الأهرامات العظيمة. أحسست أني أعيش في وسط رواية عندما أستنشقت الهواء المنعش و وجدت أمامي أثار عظيمة, أبتعدت عن مشاكل الدولة و عن البؤس الذي يعيشه كل مصري حالياً. فعلاً إنها رواية جميلة جعلتني أعيش حياة جميلة و جعلتني أستعيد ذكريات مصر الجميلة التي رأيتها في الصور و قرأتها في الكتب و لم أعشها. عندما انتهينا من جولتنا و تخلصنا من غلاسة العاملين هناك و عروضهم السخيفة و كلامهم الذي لا ينتهي. اجتاح شعور بالأمل و السعادة قلبي, لأن المصري القديم تغلب علي كل الصعوبات و بني أهرامات تبدو مثل المعجزة, فليس مستحيل أن تستيقظ مصر و نقوم بمحو فساد المؤسسات و نستعيد مصر أم الدنيا التي هي كانت و لا تزال قلب العالم. فلا تفقد الأمل عندما لا تجد للأسف اهتمام بأثارنا و تجد أشخاص لا يعرفون أي شيء عن الحضارة أو الرقي يعملون في أرقي مكان في مصر. لا تفقد الأمل عندما تجد طفل صغير يعمل لأجل مساعدة أهله و ترك التعليم و كان الشارع هو بيته. لا تفقد الأمل عندما تجد أناس يتعمدون رمي القاذورات في الشارع بدلاً من رميها في صناديق مخصصة. نعم يوجد فساد في شتي المجالات و كل المؤسسات لكن أنت من سوف تقوم بمحو الفساد, إذا أخلصت لوطنك و عرفت قيمة مصر و وثقت في نفسك و تسلحت بعقلك و إنتماءك.