أن الإعلام - بالنسبة للمجتمع الإنساني المعاصر - أشبه ما يكون بجامعة كبرى مفتوحة لها مناهجها اليومية المتجددة والمتغيرة مع الظروف والأحداث، والمتطورة بتطور الحاجات والاهتمامات، والمتسعة باتساع الوعي العام والنشاط العام للمجتمع. كما أن الإعلام يمثل ساحة كبرى، يلتقي فيها أبناء المجتمع الواحد على اختلاف فئاتهم ومشاربهم.. يلتقون على الخبر الواحد والحدث الواحد، ويتعارفون على صعيد واحد رغم اختلاف اهتماماتهم وثقافاتهم، لكنهم رغم ذلك يتعارفون على الاهتمامات الأساسية والمشتركة بينهم، والتي تعنيهم كأبناء مجتمع واحد، ثم يتشعبون - كلّ إلى ما يهمه ويعنيه في تلك المأدبة اليومية المتجددة. وأيضًا فإن الإعلام يمثل مرآة المجتمع الكبرى، والتي يتطلع فيها الجميع ليرى بعضهم بعضًا، يتطلع فيها المواطن ليرى ويسمع الآخرين في مسيرة الحياة اليومية للمجتمع. وهكذا يتضح لنا أن دور الإعلام في أي مجتمع بشري - دور عظيم وخطير، وهو في المجتمعات المعاصرة أشد أهمية وأكبر خطرًا، حيث تتعدد الاهتمامات وتتناقض الميول وتختلف الاتجاهات، وحيث يقوم الإعلام بهمة البناء ومهمة الحماية والوقاية والتصدي للغزو الفكري الخارجي في آن واحد. ولا شك أن الإعلام إذا استكمل مقوماته ووسائله الصحيحة وأحسن استخدامه وتوجيهه في مجتمع ما، كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطور والنهوض بالمجتمع. وعلى الجانب الآخر فإن الإعلام الذي يفشل في أداء دوره وتحقيق رسالته في المجتمع لا يقف أثره عند حد الفشل الذاتي، وإنما يتعدى ذلك إلى إحداث آثار سيئة في المجتمع - أدناها الشعور بالإحباط النفسي في الوجدان العام للمجتمع - وهو ما يدفع أفراد المجتمع إلى الإعراض وعدم التجاوب واللامبالاة - ثم البحث والتطلع إلى مصادر إعلامية بديلة. ونستطيع أن نميز في هذه الحالة بين نوعين من الإعلام: الأول: الإعلام المتحير: وهو الإعلام الذي لا يعتمد على الحقائق المجردة ويجنح إلى الدعاية لمذهب سياسي أو خط معين عن طريق التلفيق والتزوير، ومثل هذا الإعلام سرعان ما يفقد ثقة الجماهير، وحتى إذا تضمن بعض الحقائق فإن الجماهير تنظر إليها بعين الريبة والشك والحذر. الثاني: الإعلام القاصر: وهو إعلام يعتمد على الحقائق المجردة، ولكنه يفشل في تحقيق التأثير المطلوب بتلك الحقائق لدى الجمهور. وغالبًا ما يرجع ذلك إلى خطأ الأسلوب الإعلامي المستخدم. وليس من شك في أن الخطورة الكبرى للإعلام لا تكون بقدر ما تكون الأثر السيئ والبالغ السوء - حين يتخذ الإعلام وجهة غير بناءة، أو وجهة متجردة من المثل والقيم العليا. وهو ما نشهده في بعض المجتمعات الرأسمالية الغربية من تقوض البنيان الاجتماعي وتفشي الميل العدواني إلى الجريمة، وقد كان ذلك نتيجة مباشرة للإعلام المتحرر من القيم الخلقية وتعاليم الأديان السماوية، والذي لا يحده قيد في اندفاعه نحو تحقيق الكسب المادي في سباق الرأسمالية الطاحن المسعور.